قال الفقيه أبو عمر بن محمد بن عبد ربه: قد مضى في بيان طبائع الإنسان وسائر الحيوان والنتف.
ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في الطعام والشراب اللذين بهما تنمو الفراسة وهما قوام الأبدان، وعليهما بقاء الأرواح.
قال المسيح عليه الصلاة والسلام في الماء: هذا أبي. وفي الخبز: هذا أمي. يريد أنهما يغذيان الأبدان كما يغذيهما الأبوان.
وهذا الكتاب جزآن: جزء في الطعام، وجزء في الشراب.
فالذي في الطعام منهما متقصّ جميع ما يتم ويتصرف به أغذية الطعام من المنافع والمضار، وتعاهد الأبدان بما يصلحها من ذلك في أقواته وضروب حالاته، واختلاف الأغذية مع اختلاف الأزمنة بما لا يخلي المعدة وما لا يكظّها، فقد جعل الله لكل شيء قدرا.
والذي في الشراب منهما مشتمل على صنوف الأشربة، وما اختلف الناس فيه في الأنبذة «1» ، ومحمود ذلك ومذمومه، فإنا نجد النبيذ قد أجازه قوم صالحون، وقد وضعنا لكل شيء من ذلك بابا فيحتاط كل رجل لنفسه بمبلغ تحصيله، ومنتهى نظره؛ فإن الرائد لا يكذب أهله.