ليس لهم قصد ولا طلبة, سوى الوسيلة إلى الله والقربة. لكنهم لم يفطنوا حين صدور هذا المقال, لما يؤول له الحال, وأن الاعتقاد مثل هذا في ملك أو بشر أو حجر أو شجر هو الشرك الأكبر الذي لا يغفر.
وقوله: "إنها السنن" أي: الطريق والسبل, عبر بضمير الشأن والقصة تفخيما وتهويلا, وردعا في الرد وتنكيلا, وقد بلغت هذه الجملة الغاية, وتضمنت هذه النهاية, من النهي والتغليظ في الزجر, عن سؤال مثل هذا الأمر.
وفي قوله: "إنها السنن" إشعار بأن النفوس إليه ما تميل, ولا تكاد تجنح لغير ذلك السبل, وأن السالم منها في الناس قليل, إذ البواعث لها قوية, والدواعي إليها والمبرأ منها نزر في البرية.
وقوله: "قلتم والذي نفسي بيده" أثبت صلى الله عليه وسلم ما أثبته الله تعالى لذاته العلية, التي هي من التعطيل برية, وعن شبه المحدثات عرية, بل هو منزهة سنية.
قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (المائدة: من الآية 64) وقال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} (الفتح: من الآية 10) وقال جلاله {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (الزمر: من الآية 67) وهذه وأمثالها من الصفات الواجبة الثابتة بالدليل, نؤمن بها كما آمن السلف الصالح من غير تشبيه ولا تعطيل, ومن لجأ إلى غير ذلك فقد ضل سواء السبيل.
أقسم صلى الله عليه وسلم في الجواب مع أنه الصادق المصدوق الناطق بالحق والصواب, المبرأ خبره عن وصمة الخطأ والارتياب {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} (النجم:5) ليتمكن في قلوبهم مقتضى الخطرات والفحوى, فيأتوا من الإصغاء إليه