وهكذا شأن من يعتقد الألوهية في الأشخاص ويسميها أسراراً, ويصرف لهم أنواع العبادة بل هم في قلبه أعظم رجاءً وخوفاً واعتماداً ودعاءً وتعظيماً ووقاراً, ممن أمدَّهم بالأموال والبنين وجعل لهم جنات وجعل لهم أنهاراً, وأرسل بقدرته عليهم السماء مدراراً {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ} (النحل:73) .
ومن تدبَّر الآيات المحكمات ورضي بها حكماً, وكشف مولاه عن عين بصيرته ظلمة العمى, تحقَّق أن الألوهية صفة تدور معها العبادة وجوداً وعدماً, وعلم يقيناً أن من صرف لنبيٍّ أو وليٍّ نوعاً من العبادة فقد جعله نداً لإله الأرض والسماء {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} (الزخرف:45) وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لهُ إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} (الأحقاف:5) , وبان له أن اعتقاد النفع والضرِّ هو معنى السرِّ, الذين يدعى في الأنام, وعبرت عن ذلك قريش بالألوهية في دعواها ذلك للأصنام, ولا تنقلب الحقائق بالأوضاع فإن كل وقت له مضياع, وهل يحلُّ [الخمر] إذا سمي نبيذاً أو عتيق المدام؟ {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَليْهِ وَإِنَّهُ لفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ ليُوحُونَ إِلى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لمُشْرِكُونَ} (الأنعام:121) {وَلوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (الأنعام: من الآية 112) . وحديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه يوضح للمهتدي المراد, ويكشف سر هذا الاعتقاد, ولا بأس بإيراده.
خرَّج الترمذي وصححه عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين, ونحن حدثاء عهد بكفر, وللمشركين سدرة يعكفون