استحقروا الآلهة ورغبوا عنها, فيطلبون رفع ذلك من الله ولا يطلبونه منها.
كما حكى الله تعالى ذلك عنهم فقال: {قل أرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِليْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} (الأنعام: 4-41) وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} (الإسراء: من الآية 67) والآيات كثيرة, ومع هذا الإخلاص لله تعالى منهم في الشدة, أرسل الله إليهم محمدا نبيه وعبده مبينا لهم أن هذا الاعتقاد هو الكفر بالله والشرك والإلحاد, الذي لا يرضاه الله لأحد ولا من أحد من العباد, ودعاهم إلى توحيد الألوهية الذي هو توحيد العبادة, فأبوا إلا الإصرار على ما رأى كل منهم عليه آباءه وأجداده {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} (الصافات:70) وأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
فأمر نبيه بالقتال, وأباح له الدماء والأموال, ولم يعصمهم الإقرار بالربوبية لله ولا الإخلاص له في اشتداد الحال, فأتم الله ما أراده من النور, وحقق لنبيه النصر والتمكين والظهور, وأزال عن الحنفية كل محذور, {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلمُونَ} (الروم:6) فإذا كانت هذه حال من يخلص في الشدة الدعوة لله وحده, فما بالك بمن يخلص للند في الشدة؟ وأعجب منه من أغواه الشيطان, وكان له قرينا, فظن أن هذا الشرك الأكبر دينا, وكان مدة عمره به رهينا {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلمُونَ} (الروم:59) وما ظنك بحال من كفر الدعاة إلى التوحيد, وتبين في معاداة أهله وموالاة أعدائه من كل شيطان