يلهج إلا بحمده وشكره, ويسهل عليه التعذيب فيه, وبذل نفسه محبة لمولاه, ورغبة به عما سواه, ومحبة لرسوله وما جاء به من عند الله, فيحب لله, ويبغض لله, ويعادي فيه, ويوالي له, ويتبرى من جميع عداته, ويعطي له, ويمنع, ويذل, ويخضع, ويسارع بامتثال أوامره من الطاعة وأداء العبادة وصرف جميع أنواعها له, فلا يدعو غيره, ولا يتقرب بنذر ولا نسك لسواه, ولا يخاف ولا يرجو إلا إياه, ولا يرغب إلا فيه, ولا يرهب ولا يخشى إلا منه, ولا يستغيث إلا به, ولا يتوكل إلا عليه, ولا ينيب إلا إليه. ومن كانت هذه حاله, صدق على الحقيقة مقاله رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا, وبمحمد رسولا, وتحقق حينئذ بطعم الإيمان؛ لأنه لم يتخذ وليا من دون الله, ولم يبتغ غيره حكما, ولم يبغ غيره ربا, فالرضا بربوبية الله التي هي عين التوحيد تستلزم الرضا بعبادته وحده, والكفر بالأنداد, وتستلزم الرضا بتدبيره للعبد, واختياره له, والرضا بالإسلام دينا يقتضي اختياره على سائر الأديان, والرضا بمحمد رسولا يقتضي الرضا بجميع ما جاء به من عند الله, وقبول ذلك بالتسليم وانشراح الصدر به كما قال: {ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء: من الآية 65) , ودخل في زمرة {الَّذِينَ آمَنُوا وَلمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأنعام:82) , لأن هذا قام بحق الله تعالى الذي خلقه لأجله وهو توحيده بالعبادة بأنواعها, فصار جزاؤه الأمن من عذاب النار كما صرح بذلك معاذ في حديثه (?) , بل ما أجدر هذا أن يكون ممن حقق التوحيد لرب الأرباب