وأخرت الكلام على النية التي تصحح الأعمال ويثبت بها الأجر.
قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} (الأعراف: من الآية 29) أي: بالعدل, وهو الوسط من كل أمر المتجافي, عن طريقي الغالي والجافي, السالم من وصمة التفريط والإفراط, والبعيد عن ثلمة الإفساد والانحطاط.
أمر رب العالمين عباده أجمعين بالاستقامة في العبادات, ومتابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات, فيما جاءوا به من الشرائع الجامعة, وما أخبروا به من المغيبات الواقعة, وبإخلاص الدين كله لله, فلا يشركوا معه في عبادته أحدا سواه؛ فإنه تعالى لا يقبل العمل حتى يكون للصواب مطابقا, ولمنهاج الشريعة موافقاً {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (الأعراف: من الآية 29) يحييكم بعد موتكم, وقيل: يحشركم حفاة عراة غرلا, والحديث يشهد لهذا (?) , وقيل من ابتدأ خلقه على الهدى صار على الهدى, ومن ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إليها. وأحاديث الصحيح دالة على ذلك ففي البخاري: " ... فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها (?) , وإنما الأعمال بالخواتيم" (?) .
ويجمع بين هذا وذلك قوله: "خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" (?) , وقوله {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَليْهَا} (الروم: من الآية 30)