{وَمَا خَلقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56) فمن فضله لم يتركهم سدى, لا يفرقون بين الضلالة والهدى, ولا يعلمون الرشد من الردى, {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَليْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (القصص:59) فأرسل إليهم رسله الكرام قطعاً للحجة, فرفعوا قواعد المحجة, ومهدوا سبيل التوحيد ونهجه, فاختار الأكثر طريق الشرك وفجَّه {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف:106) .
وخصَّ سبحانه وتعالى نوحاً عليه السلام بأوَّل الرسالة, فدعا قومه إلى إخلاص العبادة لمن لا تصلح إلا له, فسبُّوه ونسبوه إلى الضلالة, وقابلوه بأقبح المقالة {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} (الشعراء:111) {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (النحل: من الآية 113) ثم ختم النبوة والرسالة بصفوة النبيين والمرسلين, وخيرته من الخلق أجمعين {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُول اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (الأحزاب:40) {هُوَ الَّذِي أَرْسَل رَسُولهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَلوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (الصف:9) فقام بأعباء الرسالة عبده ورسوله محمد المصطفى, فأتى قومه صلى الله عليه وسلم وهم من حفرة النار على شفا, فدعاهم إلى ما ينالون به في الدارين عزّاً وشرفاً, ملَّة أبيهم إبراهيم إمام الحنفاء {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (البقرة:132) بعثه الله تعالى إلى كافة الخلق بشيراً ونذيراً, وداعياً إلى التوحيد بإذنه وسراجاً منيراً, فقال