ماتت بمكة. رأيت ذلك فى المجموع لقاضى المدينة شمس الدين محمد بن أحمد السخاوى القصبى المالكى.
كانت مقيمة بمكة حتى توفيت بها، فى سنة ست وثلاثين وستمائة، كما ذكر صاحب «المرآة».
وقال: حدثنا غير واحد، عن محمد بن أبى طاهر البزار، عن القاضى على بن المحسن التنوخى، عن أبيه، قال: حدثنى عبيد الله بن أحمد بن بكر، قال: كان لأبى الحسن المكى ابنة مقيمة بمكة، وكانت أشد ورعا من أبيها وكانت تقتات فى كل سنة بثلاثين درهما، يبعثها إليها أبوها من شق الخوص.
قال: وأخبرنى ابن أبى الرواس، وكان جارا لأبى الحسن المكى، قال: عزمت على الحج، فأتيته أستعرض حوائجه، فدفع إلى قرطاسا فيه دراهم، وقال: ترسله إلى ابنتى بمكة، فى الموضع الفلانى، قال: فأخذته، فلما وصلت إلى مكة سألت عنها، فوجدتها فى الزهد والعبادة أشهر من أبيها، ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسينا وأتيت إليها، فسلمت عليها، وقلت: أبوك يسلم عليك، وقد بعث لك هذه الدراهم، فلما حصل القرطاس فى يدها، قالت: ايش خبر أبى؟ قلت: على خير وسلامة، قالت: هل خالط أبناء الدنيا وترك الانقطاع إلى العبادة؟ قلت: لا، قالت: فأسألك بمن حججت إلى بيته، هلى خلطت هذه الدراهم بشيء من مالك؟ قلت: ومن أين علمت؟ فقالت: ما كان أبى يزيدنى على الثلاثين شيئا، لأن حاله لا يحتمل أكثر من ذلك، إلا أن يكون قد خالط أهل الدنيا. ثم رمت بالقرطاس وقالت: خذه فقد عققتنى وأجعتنى طول السنة، وأحوجتنى إلى أن أقتات من المزابل إلى الموسم الآخر، لأن هذه كانت قوتى طول السنة، ولولا أنك ما قصدت أذاى لدعوت عليك.
قال: فقلت لها: خذى ثلاثين وردى الباقى.