بقدم العالم، ومن عرف هؤلاء الباطنية عذرنى، أو هو زنديق يبطن الاتحاد، يذب عن الاتحادية والحلولية، ومن لم يعرفهم، فالله يثيبه على حسن قصده، وينبغى للمرء أن يكون غضبه لربه إذا انتهكت حرماته، أعظم من غضبه لفقير غير معصوم من الزلل، فكيف بفقير يحتمل أن يكون فى الباطن كافرا، مع أنا لا نشهد على أعيان هؤلاء بإيمان ولا كفر، لجواز توبتهم قبل الموت، وأمرهم مشكل، وحسابهم على الله تعالى.
وأما مقالاتهم، فإنها شر من الشرك، فيا أخى وحبيبى، أعط القوس باريها، ودعنى ومعرفتى بذلك، فإنى أخاف أن يعذبنى الله على سكوتى، كما أخاف أن يعذبنى على الكلام فى أوليائه. وأنا لو قلت لرجل مسلم: يا كافر، لقد بؤت بالكفر. فكيف لو قلته لرجل صالح، أو ولى لله تعالى؟ .
ثم قال الذهبى بعد كلام كثير: وإن فتحنا باب الاعتذار عن المقالات، وسلكنا طريق التأويلات المسحيلات، لم يبق فى العالم كفر ولا ضلال، وبطلت كتب الملل والنحل واختلاف الفرق.
ثم قال الذهبى: وذكر شيخنا قاضى القضاة تقى الدين بن دقيق العيد، قال: جلست مع ابن سبعين من صحوة إلى قريب الظهر، وهو يسرد كلاما تعقل مفرداته ولا تعقل مركباته.
قال الذهبى: قلت: اشتهر عنه أنه قال: لقد تحجر ابن آمنة واسعا بقوله: «لا نبى بعدى». وجاء من وجه آخر عنه أنه قال: لقد زرب ابن آمنة على نفسه حيث قال: «لا نبى بعد». قال: فإن كان ابن سبعين قال هذا، فقد خرج به من الإسلام، مع أن هذا الكلام فى الكفر، دون قوله فى رب العالمين: إنه حقيقة الموجودات، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وقال الشيخ صفى الدين الأرموى الهندى: حججت فى حدود سنة ست وستينوستمائة، وبحثت مع ابن سبعين فى الفلسفة، وقال لى: لا ينبغى لك الإقامة بمكة. فقلت: كيف تقيم أنت بها؟ قال: انحصرت القسمة فى قعودى بها، فإن الملك الظاهر يطلبنى، بسبب انتمائى إلى أشراف مكة، واليمن صاحبها له فىّ عقيدة، ولكن وزيره حشوى يكرهنى.
وقال الذهبى: حدثنى فقير صالح، أنه صحب فقيرا من السبعينية، وكانوا يهونون له ترك الصلاة، وغير ذلك. انتهى.