أما فضائل مكة للجندى: فهو على نمط تاريخ الأزرقى والفاكهى. وكذلك أخبار مكة لرزين العبدلى صاحب الجمع.

وإنى لأعجب من إهمال فضلاء مكة فى جمع تاريخ لها على المنوال الذى جمعته، خصوصا من الشيخ قطب الدين القسطلانى؛ لأنه جمع شيئا يتعلق بتاريخ اليمن، ولعمرى لو جمع ذلك لبلده كان أحسن، فإن الحاجة إليه داعية، وفى ذلك فوائد غير خافية، وعليه مضى الأئمة من أهل مصر، والشام وبغداد، وغير ذلك من البلاد، كتاريخ بغداد للخطيب، وذيوله لابن السمعانى، وابن الدبيثى، والقطيعى، وابن النجار، وابن رافع وغيرهم، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ مصر للقطب الحلبى، وغير ذلك.

فإن قيل: لعل الحامل لمن أهمل من فضلاء مكة التأليف فى هذا المعنى المشار إليه: تخيلهم العجز عن الوفاء بالمقصود فى هذا الأمر، لعدم الإحاطة بالمقصود.

فالجواب: أن هذا العذر حق، ولكن يلزم من اعتمده محذور، وهو أن المعلوم عندهم يصير مجهولا عند من بعدهم كما جرى، واللائق فى هذا: إثبات المعلوم وإن قل.

وقد قيل فى ذلك: ما أنشدتناه مسندة العصر أم عبد الله عائشة بنت المحتسب محمد ابن عبد الهادى الصالحية ـ بقراءتى عليها ـ فى الرحلة الرابعة، عن أبى العباس أحمد بن أبى طالب الحجار ـ إجازة، إن لم يكن سماعا. وتفردت فى الدنيا بالسماع منه ـ أن أبا الحسن محمد بن عمر القطيعى أنبأنا، قال: أنشدنى على بن أحمد الواسطى المقرئ، قال: أنشدنى أبو جعفر هبة الله بن السوقى، قال: أنشدنا أبو الحسن العمرانى، قال:

افعل الخير ما استطعت وإن كا ... ن قليلا فلن تطيق لكله

ومتى تفعل الكثير من الخي ... ر إذا كنت تاركا لأقله

وأسأل من كل من وقف على هذا الكتاب: المسامحة عما فيه من التقصير، وإصلاح ما فيه من الغلط بعد التحرير. وسبب الغلط ـ فى الغالب ـ النسيان، وقد جبل عليه كل إنسان.

وسبب التقصير: ما ذكرته، من أنى لم أر مؤلفا فى المعنى الذى قصدت جمعه فأستضئ به. وإنما ظفرت من ذلك بأشياء قليلة مفرقة، بذلت فى تحصيلها جهدى لأنتفع بها، والمعاصرون لى، ومن بعدى.

وبسبب إهمال التأليف فى ذلك: حصل الجهل بكثير من التراجم، وبما وقع بعد الأزرقى والفاكهى من الأمور التى قصدا جمعها فى كتابيهما، وبكثير مما ذكراه فى كتابيهما. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015