الكتاب مختتما بهذا القانت الأواب، وقال: فضيل مكة وفاضلها، وعالم الأباطح وعاملها، وقال: كان إماما يسترشد بعلومه ويقتدى، وعلما يستضاء بنوره ويهتدى. ولد قبل السبعمائة، وبلغ الاحتلام سنة إحدى عشرة، وكان فى ذلك السن ملازما لبيته، تاركا لما يشتغل به الأطفال من اللعب.
ولما رأى والده آثار الفلاح عليه ظاهرة بعث به إلى عدن، فقرأ بها القرآن، واشتغل بالعلم، وحج الفرض سنة اثنتى عشرة، وعاد إلى بلاده، وحبب إليه الخلوة والانقطاع، والسياحة فى الجبال، وصحب شيخه الشيخ عليّا المعروف بالطواشى، وهو الذى سلكه الطريق، ثم عاد إلى مكة سنة ثمان عشرة، وجاور بها وتزوج، وأقام بها مدة ملازما للعلم، ثم ترك التزويج وتجرد نحو عشر سنين، وتردد فى تلك المدة بين الحرمين، ورحل إلى الشام سنة أربع وثلاثين، وزار القدس والخليل، وأقام بالخليل نحو مائة يوم، ثم قصد الديار المصرية فى تلك السنة مخفيا أمره، فزار الإمام الشافعى وغيره من المشاهد، وكان أكثر إقامته فى القرافة، فى مشهد ذى النون المصرى، ثم حضر عند الشيخ حسين الجاكى فى مجلس وعظه وعند الشيخ عبد الله المنوفى بالصالحية، وعند الجويراوى بسعيد السعداء، وكان إذ ذاك شيخها، وزار الشيخ محمد المرشدى بمنية ابن مرشد من الوجه البحرى، وبشره بأمور، ثم قصد الوجه القبلى، فسافر إلى الصعيد الأعلى، وعاد إلى الحجاز، وجاور بالمدينة مدة، ثم سافر إلى مكة، وتزوج وأولد عدة أولاد، ثم سافر إلى اليمن سنة ثمان وثلاثين، لزيارة شيخه الشيخ على الطواشى، ومع هذه الأسفار، لم تفته حجة فى هذه السنين، ثم عاد إلى مكة، وأنشد لسان الحال (?):
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينا بالإياب المسافر
وعكف على التصنيف والإقراء والإسماع، وصنف تصانيف كثيرة فى أنواع من العلوم، وكان كثير الإيثار والصدقة مع الاحتياج، متواضعا مع الفقراء، مترفعا على أبناء الدنيا، معرضا عما فى أيديهم. وكان نحيفا ربعة من الرجال. وذكر أنه توفى ليلة الأحد المسفر صباحها عن العشرين من جمادى الآخرة، سنة ثمان وستين وسبعمائة بمكة، ودفن بالمعلاة جوار الفضيل بن عياض، وبيعت حوائجه الحقيرة بأغلى الأثمان، بيع له مئزر عتيق بثلاثمائة درهم، وطاقية بمائة، وقس على ذلك. انتهى.
ومن شعره (?) [من الطويل]:
ألا أيها المغرور جهلا بعزلتى ... عن الناس ظنا أن ذاك صلاح