داود هذا، ولى إمرة مكة بعد أبيه بعهد منه، فى أوائل شعبان سنة سبعين وخمسمائة، فأحسن السيرة وعدل فى الرعية.
فلما كانت ليلة منتصف رجب من سنة إحدى وسبعين، أخرجه منها ليلا أخوه مكثر، ولحق داود بوادى نخلة، ثم عاد إلى مكة، واصطلح مع أخيه فى نصف شعبان من هذه السنة، وكان الذى أصلح بينهم، شمس الدولة أخو السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب، لما قدم من اليمن، متوجها إلى الشام. فلما انقضى ـ الحج من هذه السنة، سلمت مكة إلى داود هذا، بعد أن أخرج منها أخوه مكثّر، لما وقع بينه وبين طاشتكين أمير الحاج العراقى من محاربة، وأسقط داود جميع المكوس بها، ورحل الحاج بعد أن أخذوا العهود والمواثيق على داود، أن لا يغير شيئا مما شرط عليه من إسقاط المكوس وغير ذلك من الأرفاق. وكانت مكة سلمت قبله للأمير قاسم بن مهنا الحسينى أمير المدينة؛ لأنه كان قد ورد مع طاشتكين، وأقامت معه ثلاثة أيام، قبل أن تسلم لداود. وسبب تسليم مكة لداود، عجز قاسم بن مهنا عن إمرة مكة؛ لأن ابن الجوزى قال فى المنتظم، فى أخبار سنة إحدى وسبعين وخمسمائة: «فيها عقدت الولاية لأمير المدينة على مكة، فخرج على خوف شديد من قتال صاحب مكة مكثّر بن عيسى، ثم قال بعد أن ذكر شيئا من خبر الفتنة التى كانت بمكة فى هذه السنة: ثم إن أمير مكة المشرفة، الذى كان ولاه الخليفة المستضئ بأمر الله، قال لأمير الحاج وللحجاج: إنى لا أتجاسر أن أقيم بمكة بعد خروج الحاج، فأمروا غيره ورحلوا. انتهى.
ولم تطل ولاية داود بن عيسى لمكة؛ لأنى وجدت ما يقتضى أن أخاه مكثّرا، كان أميرا بمكة فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، كما سيأتى فى ترجمة مكثّر، ثم عاد داود إلى إمرة مكة، وما عرفت متى كان عوده إليها؛ إلا أنه كان واليا بها فى سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وفيها عزل عنها؛ لأن الذهبى قال فى تاريخ الإسلام: فيها أخذ داود أمير مكة ما فى الكعبة من الأموال، وطوقا كان يمسك الحجر الأسود لتشعثه، إذ ضربه ذاك الباطنى بعد الأربعمائة بالدبوس.
فلما قدم الركب، عزل أمير الحاج داود، وولى أخاه مكثّرا، وأقام داود بنخلة، إلى أن توفى فى رجب سنة تسع وخمسين وثمانين، وهو وآباؤه الخمسة أمراء مكة. انتهى.
والذين ولوا مكة من آبائه أربعة: أبوه عيسى، وجده فليتة، وجد عيسى قاسم، وجد فليتة محمد بن جعفر. فلا يستقيم قول الذهبى إنهم خمسة (?). والله أعلم.