فيما يتفاوضانه أحسن مما يجري بينهما، وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر إلى الحضور في المجلس، فتقدمه أبو بكر يوما فسأله حدث من الشافعيين عن العود الموجب للكفارة في الظهار1 ما هو؟ فقال: إنه إعادة القول ثانيا وهو مذهبه ومذهب داود، فطالبه بالدليل فشرع فيه، ودخل ابن سريج واستشرحهم ما جرى فشرحوه، فقال ابن سريج لابن داود أولا: يا أبا بكر، أعزك الله هذا قول مَن مِن المسلمين تقدمكم فيه؟ فاستشاط2 أبو بكر من ذلك وقال: أتقدر من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة إجماع عندي؟ أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك، فغضب ابن سريج وقال: أنت يا أبا بكر بكتاب الزهرة3 أمهر منك في هذه الطريقة، فقال أبو بكر: وبكتاب الزهرة تعيرني؟ والله ما تحسن أن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه لمن أحد المناقب إذ كنت أقول فيه "من الطويل":
أكرر في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما4
وينطق سرى عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما إن أرى حبا صحيحا مسلما