الْأَسَاسِ، وَأَجْرَوُا الْقَنَوَاتِ، وَأُرْسِلَتْ إِلَيْهِمُ الْمُلُوكُ بِالزَّبَرْجَدِ، وَالْيَاقُوتِ وَالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَالْجَوْهَرِ، كُلُّ مَلِكٍ قَدْ عَمِلَ مَا كَانَ فِي مَعْدِنِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَ بِالْعُمُدِ مَفْرُوغٌ مِنْهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ بَعَثَ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ مَفْرُوغٌ مِنْهُ مَصْنُوعًا، فَدَفَعُوهُ إِلَى تِلْكَ الْقَهَارِمَةِ وَالْوُزَرَاءِ، فَأَقَامُوا فِيهَا حَتَّى فَرَغُوا مِنْ بِنَائِهَا، وَهِيَ عَلَى تِلْكَ الْعُمُدِ، وَهِيَ قُصُورٌ مِنْ فَوْقِ الْقُصُورِ غُرَفٌ، وَمِنْ فَوْقِ الْغُرَفِ غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَالْيَاقُوتِ الَّتِي بَعَثَ بِهَا الْمُلُوكُ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَحْسِبُهُمْ قَدْ أَقَامُوا فِي بِنَائِهَا زَمَانًا مِنَ الدَّهْرِ؟» قَالَ: نَعَمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي لَأَجِدُ مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي بِنَائِهَا، وَمَا أَجَّلَهُمُ الْمُلُوكُ فِي الَّذِي أَمَرَهُمْ مِنْ حَمْلِ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ، وَلُؤْلُؤٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ حَتَّى فَرَغُوا مِنْهَا، أَجِدُهُ مَكْتُوبًا ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: «وَكَمْ كَانَ عُمْرُ شَدَّادِ بْنِ عَادٍ صَاحِبُهَا؟» قَالَ: كَانَ عُمْرُهُ تِسْعَمِائَةِ سَنَةٍ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، لَقَدْ أَخْبَرْتَنَا عَجَبًا، فَحَدِّثْنَا» . قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّمَا سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 7] الَّتِي لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، لِلَّذِي فِيهَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةٌ بِالزَّبَرْجَدِ غَيْرُهَا وَلَا يَاقُوتٌ غَيْرُهَا، فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ} [الفجر: 7] قَالَ كَعْبٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّهُمْ لَمَّا أَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ بِفَرَاغِهِمْ مِنْهَا قَالَ: انْطَلِقُوا فَاجْعَلُوا