عَرَفَ الْخَضِرُ مَا يَطْلُبُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، وَذُو الْقَرْنَيْنِ يَكْتُمُ ذَلِكَ، فَبَيْنَا الْخَضِرُ يَسِيرُ إِذْ عَارَضَهُ وَادٍ، فَظَنَّ أَنَّ الْعَيْنَ فِي ذَلِكَ الْوَادِي، فَلَمَّا أَتَى شَفِيرَ الْوَادِي، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: قِفُوا، وَلَا يَبْرَحَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ مِنْ مَوْقِفِهِ، وَرَمَى الْخَضِرُ بِالْخَرْزَةِ فَإِذَا هِيَ عَلَى حَافَةِ الْعَيْنِ، فَنَزَعَ الْخَضِرُ ثِيَابَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْعَيْنَ، فَإِذَا مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَتَوَضَّأَ وَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ رَمَى بِالْخَرْزَةِ نَحْوَ أَصْحَابِهِ فَوَقَعَتِ الْخَرْزَةُ، فَصَاحَتْ فَرَجَعَ الْخَضِرُ إِلَى صَوْتِ الْخَرْزَةِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ فَرَكِبَ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: سِيرُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: وَمَرَّ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَأَخْطَأَ الْوَادِيَ، فَسَلَكُوا تِلْكَ الظُّلْمَةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ خَرَجُوا إِلَى ضَوْءٍ لَيْسَ بِضَوْءِ شَمْسٍ وَلَا قَمَرٍ، أَرْضٍ خَضْرَاءَ حَشَّاشَةٍ، وَإِذَا فِي تِلْكَ الْأَرْضِ قَصْرٌ: مَبْنِيٌّ طُولُهُ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ، مُبَوَّبٌ، لَيْسَ عَلَيْهِ أَبْوَابٌ، فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِعَسْكَرِهِ، ثُمَّ خَرَجَ وَحْدَهُ حَتَّى نَزَلَ ذَلِكَ الْقَصْرَ، فَإِذَا حَدِيدَةٌ قَدْ وُضِعَ طَرَفَاهَا عَلَى حَافَتَيِ الْقَصْرِ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، فَإِذَا طَائِرٌ أَسْوَدُ كَأَنَّهُ الْخُطَّافُ مَزْمُومٌ بِأَنْفِهِ إِلَى الْحَدِيدِ، مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ الطَّائِرُ خَشْخَشَةَ ذِي الْقَرْنَيْنِ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا ذُو الْقَرْنَيْنِ. قَالَ الطَّائِرُ: مَا كَفَاكَ مَا وَرَاءَكَ حَتَّى وَصَلْتَ إِلَيَّ؟، ثُمَّ قَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ حَدِّثْنِي. قَالَ: سَلْ مَا شِئْتَ. قَالَ: هَلْ كَثُرَ بِنَاءُ الْجِصِّ وَالْآجُرِّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْتَفَضَ الطَّائِرُ انْتِفَاضَةً انْتَفَخَ، ثُمَّ انْتَفَضَ حَتَّى بَلَغَ ثُلُثَ الْحَدِيدَةِ، ثُمَّ