قَائِمًا أَبَدًا، وَرَافِعٌ وَجْهَهُ لَا يَطْرُقُ شَاخِصٌ أَبَدًا يَقُولُ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، رَبِّ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. قَالَ: فَبَكَى ذُو الْقَرْنَيْنِ بُكَاءً شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: يَا زِيَافِيلُ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَعِيشَ حَتَّى أَبْلُغَ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي حَقَّ طَاعَتِهِ. قَالَ: وَتُحِبُّ ذَلِكَ يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ زِيَافِيلُ: فَإِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَيْنًا تُسَمَّى عَيْنَ الْحَيَاةِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا شَرْبَةً لَمْ يَمُتْ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ الْمَوْتَ. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنْتُمْ مَوْضِعَ تِلْكَ الْعَيْنِ؟ قَالَ زِيَافِيلُ: لَا غَيْرَ أَنَّا نَتَحَدَّثُ فِيُ السَّمَاءِ أَنَّ لِلَّهِ ظُلْمَةٌ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جِنٌّ، وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ فِي تِلْكَ الظُّلْمَةِ. قَالَ: فَجَمَعَ ذُو الْقَرْنَيْنِ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَهْلَ دِرَاسَةِ الْكُتُبِ، وَآثَارَ النُّبُوَّةِ فَقَالَ: أَخْبِرُونِي، هَلْ وَجَدْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَفِيمَا عِنْدَكُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ قَبْلَكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضَعَ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنًا سَمَّاهَا عَيْنَ الْحَيَاةِ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَهَلْ وَجَدْتُمْ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ فِي الْأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جِنٌّ؟ قَالُوا: لَا. فقَالَ عَالِمٌ مِنْهُمْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، لِمَ تَسْأَلُ عَنْ هَذَا؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَهُ زِيَافِيلُ، فَقَالَ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنِّي قَرَأْتُ وَصِيَّةَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَوَجَدْتُ فِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَضَعَ فِي الْأَرْضِ ظُلْمَةً لَمْ يَطَأْهَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ، قَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ: فَأَيْنَ وَجَدْتَهَا فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: وَجَدْتُهَا عَلَى قَرْنِ الشَّمْسِ، فَبَعَثَ ذُو الْقَرْنَيْنِ، فَحَشَرَ النَّاسَ، وَالْفُقَهَاءَ وَالْأَشْرَافَ وَالْمُلُوكَ، ثُمَّ سَارَ يَطْلُبُ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَسَارَ إِلَى أَنْ بَلَغَ طَرْفَ الظُّلْمَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِذَا الظُّلْمَةُ لَيْسَتْ بِلَيْلٍ، وَهِيَ ظُلْمَةٌ تَفُورُ مِثْلَ الدُّخَانِ، فَعَسْكَرَ، ثُمَّ جَمَعَ عُلَمَاءَ أَهْلِ عَسْكَرِهِ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْلُكَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ. فَقَالُوا: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّهُ قَدْ كَانَ قَبْلَكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُلُوكِ لَمْ يَطْلُبُوا