تَعَالَى: " إِنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ أَتَى عَلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَمْتِعُ النَّاسُ بِهِ مِنْ دُنْيَاهُمْ قَدِ احْتَفُرُوا قُبُورًا، فَإِذَا أَصْبَحُوا تَعَاهَدُوا تِلْكَ الْقُبُورَ، فَكَنَسُوهَا وَصَلُّوا عِنْدَهَا، وَرَعَوُا الْبَقْلَ كَمَا تَرْعَى الْبَهَائِمُ، وَقَدْ قُيِّضَ لَهُمْ مَعَاشٌ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ، فَأَرْسَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ إِلَى مَلِكِهِمْ: أَجِبِ الْمَلِكَ ذَا الْقَرْنَيْنِ. فَقَالَ: مَا لِي إِلَيْهِ حَاجَةٌ، فَأَقْبَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَقَالَ: إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لَتَأْتِيَنِّي، فَأَبَيْتَ فَهَا أَنَا قَدْ جِئْتُكَ. فَقَالَ لَهُ: لَوْ كَانَتْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ لَأَتَيْتُكَ. فَقَالَ لَهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَلَى الْحَالِ الَّذِي رَأَيْتُ، لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الْأُمَمِ عَلَيْهَا؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: لَيْسَ لَكُمْ دُنْيَا وَلَا شَيْءٌ، أَمَا اتَّخَذْتُمُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهمَا؟ فَقَالُوا: إِنَّمَا كَرِهْنَاهُمَا، لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يُعْطَ مِنْهُمَا شَيْئًا إِلَّا تَاقَتْ نَفْسُهُ وَدَعَتْهُ إِلَى أَفْضَلَ مِنْهُمَا. قَالَ: مَا بَالَكُمُ احْتَفَرْتُمْ قُبُورًا، فَإِذَا أَصْبَحْتُمْ تَعَاهَدْتُمُوهَا، فَكَنَسْتُمُوهَا وَصَلَّيْتُمْ عِنْدَهَا؟ قَالُوا: أَرَدْنَا إِذَا نَظَرْنَا إِلَيْهَا، فَأَمَّلْنَا الدُّنْيَا مَنَعَتْنَا قُبُورُنَا مِنَ الْأَمَلِ. قَالَ: أَرَاكُمْ لَا طَعَامَ لَكُمْ إِلَّا الْبَقْلُ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا اتَّخَذْتُمُ الْبَهَائِمَ مِنَ الْأَنْعَامِ مَا حَلَبْتُمُوهَا وَرَكِبْتُمُوهَا، وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا؟ فَقَالُوا: كَرِهْنَا أَنْ نَجْعَلَ بُطُونَنَا لَهَا قُبُورًا، وَرَأَيْنَا أَنَّ فِي نَبَاتِ الْأَرْضِ بَلَاغًا، وَإِنَّمَا يَكْفِي ابْنَ آدَمَ أَدْنَى الْعَيْشِ مِنَ الطَّعَامِ، وَإِنَّ مَا جَاوَزَ الْحَنَكَ مِنْهُ لَمْ نَجِدْ لَهُ طَعْمًا كَائِنًا مَا كَانَ مِنَ الطَّعَامِ، ثُمَّ تَنَاوَلَ مَلِكٌ تِلْكَ الْأُمَّةَ بِيَدِهِ خَلْفَ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَتَنَاوَلَ جُمْجُمَةً فَقَالَ: يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ، أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟ قَالَ: لَا، وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: هَذَا مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِ الْأَرْضِ، أَعْطَاهُ اللَّهُ سُلْطَانًا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَغَشَمَ وَظَلَمَ، وَعَتَا، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ حَسَمَهُ بِالْمَوْتِ، فَصَارَ