إن أهل الكتاب هؤلاء لا يقفون عند حد الانحراف عن دين الحق، وعبادة أرباب من دون اللّه. وعدم الإيمان باللّه واليوم الآخر - وفق المفهوم الصحيح للإيمان باللّه واليوم الآخر - إنما هم كذلك يعلنون الحرب على دين الحق ويريدون إطفاء نور اللّه في الأرض المتمثل في هذا الدين، وفي الدعوة التي تنطلق به في الأرض، وفي المنهج الذي يصوغ على وفقه حياة البشر ..
«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ» .. فهم محاربون لنور اللّه. سواء بما يطلقونه من أكاذيب ودسائس وفتن أو بما يحرضون به أتباعهم وأشياعهم على حرب هذا الدين وأهله، والوقوف سدا في وجهه - كما كان هو الواقع الذي تواجهه هذه النصوص وكما هو الواقع على مدار التاريخ.
وهذا التقرير - وإن كان يراد به استجاشة قلوب المسلمين إذ ذاك - هو كذلك يصور طبيعة الموقف الدائم لأهل الكتاب من نور اللّه المتمثل في دينه الحق الذي يهدي الناس بنور اللّه.
«وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ» .. وهو الوعد الحق من اللّه، الدال على سنته التي لا تتبدل، في إتمام نوره بإظهار دينه ولو كره الكافرون ..
وهو وعد تطمئن له قلوب الذين آمنوا فيدفعهم هذا إلى المضي في الطريق على المشقة واللأواء في الطريق وعلى الكيد والحرب من الكافرين (والمراد بهم هنا هم أهل الكتاب السابق ذكرهم) .. كما أنه يتضمن في ثناياه الوعيد لهؤلاء الكافرين وأمثالهم على مدار الزمان! ويزيد السياق هذا الوعيد وذلك الوعد توكيدا: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» ..
وفي هذا النص يتبين أن المراد بدين الحق الذي سبق في قوله تعالى: «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ