هؤلاء في القتال - أن يصنعوا بهم ذلك الصنيع: «فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» .. وإنه لتعبير عجيب، يرسم صورة للأخذ المفزع، والهول المرعب، الذي يكفي السماع به للهرب والشرود.
فما بال من يحل به هذا العذاب الرعيب؟ إنها الضربة المروّعة يأمر اللّه تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يأخذ بها هؤلاء الذين مردوا على نقض العهد، وانطلقوا من ضوابط الإنسان، ليؤمن المعسكر الإسلامي أولا، وليدمر هيبة الخارجين عليه أخيرا وليمنع كائنا من كان أن يجرؤ على التفكير في الوقوف في وجه المد الإسلامي من قريب أو من بعيد ..
إنها طبيعة هذا المنهج التي يجب أن تستقر صورتها في قلوب العصبة المؤمنة. إن هذا الدين لا بد له من هيبة، ولا بد له من قوة، ولا بد له من سطوة، ولا بد له من الرعب الذي يزلزل الطواغيت حتى لا تقف للمد الإسلامي، وهو ينطلق لتحرير «الإنسان» في «الأرض» من كل طاغوت. والذين يتصورون أن منهج هذا الدين هو مجرد الدعوة والتبليغ، في وجه العقبات المادية من قوى الطاغوت، هم ناس لا يعرفون شيئا عن طبيعة هذا الدين! وهذا هو الحكم الأول يتعلق بحالة نقض العهد فعلا مع المعسكر الإسلامي وما ينبغي أن يتبع في ضرب الناقضين للعهد وإرهابهم وإرهاب من وراءهم بالضربة القاصمة المروعة الهائلة.
فأما الحكم الثاني فيتعلق بحالة الخوف من نقض العهد وتوقع الخيانة وذلك بظهور أفعال وأمارات تدل على أن القوم يهمون بنقض العهد فعلا: «وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ. إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ» ..
إن الإسلام يعاهد ليصون عهده فإذا خاف الخيانة من غيره نبذ العهد القائم جهرة وعلانية ولم يخن ولم يغدر ولم يغش ولم يخدع وصارح الآخرين بأنه نفض يده من عهدهم. فليس بينه وبينهم أمان ..
وبذلك يرتفع الإسلام بالبشرية إلى آفاق من الشرف والاستقامة، وإلى آفاق من الأمن والطمأنينة .. إنه لا يبيت الآخرين بالهجوم الغادر الفاجر وهم آمنون مطمئنون إلى عهود ومواثيق لم تنقض ولم تنبذ ولا يروّع الذين لم يأخذوا حذرهم حتى وهو يخشى الخيانة من جانبهم .. فأما بعد نبذ العهد فالحرب خدعة، لأن كل خصم قد أخذ حذره فإذا جازت