قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (56)} [الأنفال: 55 - 56]
ولفظ «الدواب» وإن كان يشمل كل ما دب على الأرض، فيشمل الأناسي فيما يشمل، إلا أنه - كما أسلفنا - يلقي ظلا خاصا حين يطلق على الآدميين .. ظل البهيمة .. ثم يصبح هؤلاء الآدميون شر البهيمة التي تدب على الأرض! وهؤلاء هم الذين كفروا حتى بلغ بهم الكفر ألا يصير حالهم إلى الإيمان! وهم الذين ينقضون عهدهم في كل مرة ولا يتقون اللّه في مرة! وقد وردت روايات متعددة في المقصودين بهذا النص .. قيل: إنهم بنو قريظة، وقيل: إنهم بنو النضير.
وقيل: إنهم بنو قينقاع. وقيل: إنهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة من المشركين .. والنص والواقع التاريخي كلاهما يحتمل أن يكونوا هؤلاء جميعا. فلقد نقض اليهود عهودهم مع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - طائفة طائفة، كما أنه قد تكرر نقض المشركين لعهودهم أيضا .. والمهم أن نعلم أن هذه النصوص تتحدث عن حالة واقعة قبل بدر وبعدها، إلى حين نزول هذه الآيات. ولكن الحكم الصادر فيها، المصور لطبيعة الناقضين للعهد يصور حالة دائمة، ويقرر صفة ثابتة ..
فهؤلاء الذين كفروا ولجّوا في الكفر «فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» .. ففسدت بذلك فطرتهم، وباتوا بذلك شر الدواب عند اللّه. هؤلاء الذين ينقضون كل عهد أبرموه، فتجردوا بذلك من خصيصة إنسانية أخرى - خصيصة التقيد بالعهد - وانطلقوا من كل قيد، كما تنطلق البهيمة، لولا أن البهيمة مقيدة بضوابط فطرتها، وهؤلاء لا ضابط لهم. فهم بذلك شر الدواب عند اللّه! هؤلاء الذين لا يستطيع أحد أن يطمئن إلى عهدهم وجوارهم .. جزاؤهم هو حرمانهم الأمن كما حرموا غيرهم الأمن وجزاؤهم هو تخويفهم وتشريدهم، والضرب على أيديهم بشدة لا ترهبهم وحدهم، إنما ترهب من يتسامع بهم ممن وراءهم من أمثالهم، والرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده من المسلمين، مأمورون - إذا التقوا بأمثال