قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الأنفال: 34] ..
إنه لا يمنع العذاب عنهم ما يدعونه من أنهم ورثة إبراهيم وسدنة بيت اللّه الحرام .. فهذه ليست سوى دعوى لا أساس لها من الواقع. إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ولا أصحابه. إنهم أعداء هذا البيت وغاصبوه! إن بيت اللّه الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن السلف. إنه بيت اللّه يرثه أولياء اللّه المتقون للّه .. ومثله دعواهم أنهم ورثة إبراهيم - عليه السلام - فوراثة إبراهيم ليست وراثة دم ونسب إنما هي وراثة دين وعقيدة.
والمتقون هم ورثة إبراهيم وبيت اللّه الذي بناه للّه فإذا هم يصدون عنه أولياءه الحقيقيين المؤمنين بدين إبراهيم! إنهم ليسوا أولياء لهذا البيت وإن كانوا يصلون عنده صلاتهم. فما هذه بصلاة! إنما كانت صفيرا بالأفواه وتصفيقا بالأيدي، وهرجا ومرجا لا وقار فيه، ولا استشعار لحرمة البيت، ولا خشوع لهيبة اللّه.
عن ابن عمر - رضي اللّه عنه - أنه قال: إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض، ويصفقون ويصفرون (?).
وإن هذا ليخطر بالبال صور العازفين المصفقين الصاخبين الممرغين خدودهم على الأعتاب والمقامات اليوم في كثير من البلاد التي يسمونها «بلاد المسلمين»! إنها الجاهلية تبرز في صورة من صورها الكثيرة. بعد ما برزت في صورتها الواضحة الكبيرة: صورة ألوهية العبيد في الأرض، وحاكميتهم في حياة الناس .. وإذا وقعت هذه فكل صور الجاهلية الأخرى إنما هي تبع لها، وفرع منها! «فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» .. وهو ذلك العذاب الذي نزل بهم في بدر بأيدي العصبة المؤمنة. فأما العذاب الذي طلبوه - عذاب الاستئصال