قال تعالى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132] ..
فللمؤمنين درجات: درجة فوق درجة. وللشياطين درجات: درجة تحت درجة! وفق الأعمال. والأعمال مرصودة لا يغيب منها شيء: «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ».
على أن اللّه - سبحانه - إنما يرسل رسله رحمة بالعباد فهو غني عنهم وعن إيمانهم به وعبادتهم له.
وإذا أحسنوا فإنما يحسنون لأنفسهم في الدنيا والآخرة. كذلك تتجلى رحمته في الإبقاء على الجيل العاصي الظالم المشرك، وهو القادر على أن يهلكه، وينشئ جيلا آخر يستخلفه: «وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ. كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ».
فلا ينس الناس أنهم باقون برحمة اللّه وأن بقاءهم معلق بمشيئة اللّه وأن ما في أيديهم من سلطان إنما خولهم اللّه إياه. فليس هو سلطانا أصيلا ولا وجودا مختارا. فما لأحد في نشأته ووجوده من يد وما لأحد فيما أعطيه من السلطان من قدرة. وذهابهم واستخلاف غيرهم هين على اللّه. كما أنه أنشأهم من ذرية جيل غير. واستخلفوا هم من بعده بقدر من اللّه.
إنها طرقات قوية وإيقاعات عنيفة على قلوب الظالمين من شياطين الإنس والجن الذين يمكرون ويتطاولون، ويحرمون ويحللون، ويجادلون في شرع اللّه بما يشرعون .. وهم هكذا في قبضة اللّه يبقيهم كيف شاء، ويذهب بهم أنى شاء، ويستخلف من بعدهم ما يشاء .. كما أنها إيقاعات من التثبيت والطمأنينة والثقة في قلوب العصبة المؤمنة، التي تلقى العنت من كيد الشياطين ومكرهم ومن أذى المجرمين وعدائهم .. فهؤلاء هم في قبضة اللّه ضعافا حتى وهم يتجبرون في الأرض ويمكرون! ثم إيقاع تهديدي آخر: «إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ، وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ» إنكم في يد اللّه وقبضته، ورهن مشيئته وقدره. فلستم بمفلتين أو مستعصين .. ويوم الحشر الذي شاهدتم منه مشهدا منذ لحظة ينتظركم وإنه لآت لا ريب فيه، ولن تفلتوا يومها، ولن تعجزوا اللّه القوي المتين.