سلك، يسيرون على الأهواء، ويركبون العمياء، ويخبطون خبط عشواء. فأصبحوا الآن في حظيرة الإيمان والعبودية لا يخرجون منها، واعترفوا للّه بالملك والسلطان، والأمر والنهي، ولأنفسهم بالرعوية والعبودية والطاعة المطلقة، وأعطوا من أنفسهم المقادة، واستسلموا للحكم الإلهي استسلاما كاملا ووضعوا أوزارهم، وتنازلوا عن أهواءهم وأنانيتهم، وأصبحوا عبيدا لا يملكون مالا ولا نفسا ولا تصرفا في الحياة إلا ما يرضاه اللّه ويسمح به، لا يحاربون ولا يصالحون إلا بإذن اللّه، ولا يرضون ولا يسخطون، ولا يعطون ولا يمنعون، ولا يصلون ولا يقطعون إلا بإذنه ووفق أمره» (?).

وهذا هو الإيمان الذي تشير إليه الآية وهي تصف الجماعة التي اختيرت لقيادة البشرية بهذه العقيدة. ومن مقضيات هذا الإيمان التوكل على اللّه. ولكن القرآن يفرد هذه الصفة بالذكر ويميزها: «وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ» .. وهذا التقديم والتأخير في تركيب الجملة يفيد قصر التوكل على ربهم دون سواه. والإيمان باللّه الواحد يقتضي التوكل عليه دون سواه. فهذا هو التوحيد في أول صورة من صوره. إن المؤمن يؤمن باللّه وصفاته، ويستيقن أنه لا أحد في هذا الوجود يفعل شيئا إلا بمشيئته، وأنه لا شيء يقع في هذا الوجود إلا بإذنه. ومن ثم يقصر توكله عليه، ولا يتوجه في فعل ولا ترك لمن عداه.

وهذا الشعور ضروري لكل أحد، كي يقف رافع الرأس لا يحني رأسه إلا للّه. مطمئن القلب لا يرجو ولا يرهب أحدا إلا اللّه. ثابت الجأش في الضراء قرير النفس في السراء، لا تستطيره نعماء ولا بأساء .. ولكن هذا الشعور أشد ضرورة للقائد، الذي يحتمل تبعة ارتياد الطريق.

«وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ» .. وطهارة القلب، ونظافة السلوك من كبائر الإثم ومن الفواحش، أثر من آثار الإيمان الصحيح. وضرورة من ضرورات القيادة الراشدة. وما يبقى قلب على صفاء الإيمان ونقاوته وهو يقدم على كبائر الذنوب والمعاصي ولا يتجنبها. وما يصلح قلب للقيادة وقد فارقه صفاء الإيمان وطمسته المعصية وذهبت بنوره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015