وقيمة الإيمان كذلك الطمأنينة النفسية، والثقة بالطريق، وعدم الحيرة أو التردد، أو الخوف أو اليأس. وهذه الصفات لازمة لكل إنسان في رحلته على هذا الكوكب ولكنها ألزم ما تكون للقائد الذي يرتاد الطريق، ويقود البشرية في هذا الطريق.
وقيمة الإيمان التجرد من الهوى والغرض والصالح الشخصي وتحقيق المغانم. إذ يصبح القلب متعلقا بهدف أبعد من ذاته ويحس أن ليس له من الأمر شيء، إنما هي دعوة اللّه، وهو فيها أجير عند اللّه! وهذا الشعور ألزم ما يكون لمن توكل إليه مهمة القيادة كي لا يقنط إذ أعرض عنه القطيع الشارد أو أوذي في الدعوة ولا يغتر إذا ما استجابت له الجماهير، أو دانت له الرقاب. فإنما هو أجير.
ولقد آمنت العصبة الأولى من المسلمين إيمانا كاملا أثر في نفوسهم وأخلاقهم وسلوكهم تأثيرا عجيبا. وكانت صورة الإيمان في نفس البشرية قد بهتت وغمضت حتى فقدت تأثيرها في أخلاق الناس وسلوكهم، فلما أن جاء الإسلام أنشأ صورة للإيمان حية مؤثرة فاعلة تصلح بها هذه لاعصبة للقيادة التي وضعت على عاتقها.
يقول الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه: «ما ذا خسر العالم بانحطاط المسلمين».عن هذا الإيمان:
«انحلت العقدة الكبرى - عقدة الشرك والكفر - فانحلت العقد كلها وجاهدهم الرسول جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة وقد دخلوا في السلم كافة بقلوبهم وجوارحهم وأرواحهم كافة، لا يشاقون الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، ولا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضى، ولا يكون لهم الخيرة من بعد ما أمر أو نهى ... » (?)
«حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم - بل خرج حظ نفوسهم من نفوسهم - وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم، وأصبحوا في الدنيا رجال الآخرة، وفي اليوم رجال الغد، لا تجزعهم مصيبة، ولا تبطرهم نعمة، ولا يشلغهم فقر، ولا يطغيهم غنى، ولا تلهيهم تجارة، ولا تستخفهم قوة، ولا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا، وأصبحوا للناس