كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله. واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب حتى اللباب .. وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي واحد العالم جميعه» .. يعني محمدا - صلى الله عليه وسلم - ..

ولأن أتباع الرسل تفرقوا - من بعد ما جاءهم العلم - ولأن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم كانوا في شك منه مريب .. لهذا وذلك، ولخلو مركز القيادة البشرية من قائد ثبت مستيقن يعرف طريقه إلى اللّه .. أرسل اللّه محمدا - صلى الله عليه وسلم - ووجه إليه الأمر أن يدعو وأن يستقيم على دعوته، وألا يلتفت إلى الأهواء المصطرعة حوله وحول دعوته الواضحة المستقيمة وأن يعلن تجديد الإيمان بالدعوة الواحدة التي شرعها اللّه للنبيين أجمعين: «فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ، وَقُلْ: آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ. وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ. اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ. لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ. لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ. اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» ..

إنها القيادة الجديدة للبشرية جمعاء. القيادة الحازمة المستقيمة على نهج واضح ويقين ثابت. تدعو إلى اللّه على بصيرة. وتستقيم على أمر اللّه دون انحراف. وتنأى عن الأهواء المضطربة المتناوحة من هنا وهناك. القيادة التي تعلن وحدة الرسالة ووحدة الكتاب ووحدة النهج والطريق. والتي ترد الإيمان إلى أصله الثابت الواحد، وترد البشرية كلها إلى ذلك الأصل الواحد: «وَقُلْ: آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتابٍ» .. ثم هو الاستعلاء والهيمنة بالحق والعدل. «وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ» .. فهي قيادة ذات سلطان، تعلن العدل في الأرض بين الجميع. (هذا والدعوة بعد في مكة محصورة بين شعابها مضطهدة هي وأصحابها. ولكن طبيعتها المهيمنة الشاملة تبدو واضحة).وتعلن الربوبية الواحدة: «اللَّهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ» .. وتعلن فردية التبعة: «لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ» .. وتعلن إنهاء الجدل بالقول الفصل: «لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ» .. وتكل الأمر كله إلى اللّه صاحب الأمر الأخير: «اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ» ..

وتكشف هذه الآية الواحدة عن طبيعة هذه الرسالة الأخيرة، في مقاطعها القصيرة الفاصلة على هذا النحو الجامع الحازم الدقيق. فهي رسالة جاءت لتمضي في طريقها لا تتأثر بأهواء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015