رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ يَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ،مَا يَعْرِفُ حَلَالَهُ وَلَا حَرَامَهُ،وَلَا أَمْرَهُ وَلَا زَاجِرَهُ،وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهُ وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقَلِ " (?).
وبهذا الإيمان كانوا يجدون في القرآن ذلك المذاق الخاص، يساعدهم عليه ذلك الجو الذي كانوا يتنسمونه وهم يعيشون القرآن فعلا وواقعا ولا يزاولونه مجرد تذوق وإدراك! وفي الروايات الواردة في نزول الآية قول سعد بن مالك وقد طلب أن ينفله رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - السيف، قبل أن ينزل القرآن الذي يرد ملكية الأنفال للرسول - صلى الله عليه وسلم - فيتصرف فيها بما يريد. فعَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ شَفَانِي اللَّهُ الْيَوْمَ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفُ. قَالَ: إِنَّ هَذَا السَّيْفَ لَيْسَ لَكَ وَلاَ لِي ضَعْهُ قَالَ: فَوَضَعْتُهُ. ثُمَّ رَجَعْتُ، قُلْتُ: عَسَى أَنْ يُعْطَى هَذَا السَّيْفُ الْيَوْمَ مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلائِي، قَالَ: إِذَا رَجُلٌ يَدْعُونِي مِنْ وَرَائِي، قَالَ: قُلْتُ: قَدِ أنْزِلَ فِيَّ شَيْءٌ؟ قَالَ: كُنْتَ سَأَلْتَنِي السَّيْفَ، وَلَيْسَ هُوَ لِي، وَإِنَّهُ قَدْ وُهِبَ لِي، فَهُوَ لَكَ قَالَ: وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} (?) ...
فهكذا كانوا يعيشون مع ربهم، ومع هذا القرآن الذي يتنزل عليهم. وهو شيء هائل. وهي فترة عجيبة في حياة البشر. ومن ثم كانوا يتذوقون القرآن هذا التذوق .. كما أن قيامهم بالحركة الواقعية في ظل التوجيهات القرآنية المباشرة كان يجعل التفاعل مع هذا التذوق مضاعفا .. وإذا كانت الأولى لا تتكرر في حياة البشر فإن هذه الثانية تتكرر كلما قامت في الأرض عصبة مؤمنة تحاول بالحركة أن تنشئ هذا الدين في واقع الناس كما كانت الجماعة المسلمة الأولى تنشئه .. وهذه العصبة المؤمنة التي تتحرك بهذا القرآن لإعادة إنشاء هذا الدين في واقع الناس هي التي تتذوق هذا القرآن وتجد في تلاوته ما يزيد قلوبها إيمانا لأنها ابتداء مؤمنة. الدين عندها هو الحركة لإقامة هذا الدين بعد الجاهلية التي عادت