وسنرى من طبيعة هذه الصفات أنه لا يمكن أن يقوم بدونها الإيمان أصلا وأن الأمر فيها ليس أمر كمال الإيمان أو نقصه إنما هو أمر وجود الإيمان أو عدمه.
«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» ... إنها الارتعاشة الوجدانية التي تنتاب القلب المؤمن حين يذكر باللّه في أمر أو نهي فيغشاه جلاله، وتنتفض فيه مخافته ويتمثل عظمة اللّه ومهابته، إلى جانب تقصيره هو وذنبه، فينبعث إلى العمل والطاعة ... أو هي كما روي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فِي قَوْلِهِ:" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قَالَ: الْوَجَلُ فِي الْقَلْبِ كَإِحْرَاقِ السَّعَفَةِ، أَمَا تَجِدُ لَهُ قَشْعَرِيرَةً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: إِذَا وَجَدْتَ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ فَادْعُ اللَّهَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ يَذْهَبُ بِذَلِكَ " (?) ..
إنها حال ينال القلب منها أمر يحتاج إلى الدعاء ليستريح منها ويقر! وهي الحال التي يجدها القلب المؤمن حين يذكر باللّه في صدد أمر أو نهي فيأتمر معها وينتهي كما يريد اللّه، وجلا وتقوى للّه.
«وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً».والقلب المؤمن يجد في آيات هذا القرآن ما يزيده إيمانا، وما ينتهي به إلى الاطمئنان .. إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة، ولا يحول بينه وبينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب ويحجب القلب عنه فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن، ووجد في إيقاعاته المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان .. وكما أن إيقاعات القرآن على القلب المؤمن تزيده إيمانا، فإن القلب المؤمن هو الذي يدرك هذه الإيقاعات التي تزيده إيمانا .. لذلك يتكرر في القرآن تقرير هذه الحقيقة في أمثال قوله تعالى: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ» .. «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» .. ومن ذلك قول أحد الصحابة - رضوان اللّه عليهم،فعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ،قَالَ:سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ،يَقُولُ:" لَقَدْ لَبِثْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرٍ،وَأَحَدُنَا لِيُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ تَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا،وَأَمْرَهَا وَزَاجِرَهَا،وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا كَمَا يَتَعَلَّمُ أَحَدُكُمُ السُّورَةَ،وَلَقَدْ رَأَيْتُ