ويجيء الرد عليهم بإحقاق هذه الصفة عليهم، ولعنهم وطردهم من رحمة اللّه جزاء على قولهم: «غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا».
وكذلك كانوا، فهم أبخل خلق اللّه بمال! ثم يصحح هذا التصور الفاسد السقيم ويصف اللّه سبحانه بوصفه الكريم. وهو يفيض على عباده من فضله بلا حساب: «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ» ..
وعطاياه التي لا تكف ولا تنفد لكل مخلوق ظاهرة للعيان .. شاهدة باليد المبسوطة، والفضل الغامر، والعطاء الجزيل، ناطقة بكل لسان. ولكن يهود لا تراها لأنها مشغولة عنها باللم والضم، وبالكنود وبالجحود، وبالبذاءة حتى في حق اللّه! ويحدث اللّه رسوله - صلى الله عليه وسلم - عما سيبدو من القوم، وعما سيحل بهم، بسبب حقدهم وغيظهم من اصطفاء اللّه له بالرسالة وبسبب ما تكشفه هذه الرسالة من أمرهم في القديم والحديث: «وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً» ..
فبسبب من الحقد والحسد، وبسبب من افتضاح أمرهم فيما أنزل اللّه إلى رسوله، سيزيد الكثيرون منهم طغيانا وكفرا. لأنهم وقد أبوا الإيمان، لا بد أن يشتطوا في الجانب المقابل ولا بد أن يزيدوا تبجحا ونكرا، وطغيانا وكفرا. فيكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - رحمة للمؤمنين، ووبالا عن المنكرين.
ثم يحدثه عما قدر اللّه لهم من التعادي والتباغض فيما بينهم ومن إبطال كيدهم وهو في أشد سعيره تلهبا ومن عودتهم بالخيبة فيما يشنونه من حرب على الجماعة المسلمة: «وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ. كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ» .. وما تزال طوائف اليهود متعادية. وإن بدا في هذه الفترة أن اليهودية العالمية تتساند وتوقد نار الحرب على البلاد الإسلامية وتفلح! ولكن ينبغي ألا ننظر إلى فترة قصيرة من الزمان ولا إلى مظهر لا يشتمل على الحقيقة كاملة. ففي خلال ألف وثلاثماثة عام .. بل من قبل الإسلام .. واليهود في شحناء وفي ذل كذلك وتشرد. ومصيرهم إلى مثل ما كانوا فيه. مهما تقم حولهم الأسناد. ولكن مفتاح الموقف كله في وجود العصبة المؤمنة، التي يتحقق لها وعد اللّه