وقد ظهرت آثار هذا القانون الحتمي في ظاهرتين بارزتين:

إحداهما: انطلاق الإسلام خطوة بعد خطوة، وغزوة بعد غزوة، ومرحلة بعد مرحلة لنشر منهج اللّه في الأرض حوله وإبلاغ كلمة اللّه إلى أرض بعد أرض وإلى قبيلة بعد قبيلة - في طريقه إلى إبلاغها إلى الناس كافة وإزالة الحواجز المادية التي تحول دون هذا الإعلان العام والبلوغ إلى كل بني الإنسان - حتى فتحت مكة، وخضدت شوكة قريش العقبة الكبرى في طريق الزحف الإسلامي، واستسلمت هوازن وثقيف في الطائف أقوى القبائل بعد قريش في طريق هذا الزحف. وأصبحت للإسلام قوته التي ترهب عدوه وتسمح بالقيام بالخطوة النهائية الحاسمة في الجزيرة - تمهيدا لما وراءها من أرض اللّه حسبما تتهيأ الظروف الملائمة لكل خطوة تالية، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين للّه.

وثانيتهما: نقض العهود التي كانت المعسكرات الجاهلية تعقدها مع المسلمين - في ظروف مختلفة - عهدا بعد عهد بمجرد أن تتاح لها فرصة نقضها، وعند أول بادرة تشير إلى أن المعسكر الإسلامي في ضائقة تهدد وجوده أو على الأقل تجعل هذا النقض مأمون العاقبة على ناقضيه من المشركين - ومن أهل الكتاب من قبلهم - فما كانت هذه العهود - إلا نادرا - عن رغبة حقيقية في مسالمة الإسلام ومهادنة المسلمين إنما كانت عن اضطرار واقعي إلى حين!

فما تطيق المعسكرات الجاهلية طويلا أن ترى الإسلام ما يزال قائما حيالها مناقضا في أصل وجوده لأصل وجودها مخالفا لها مخالفة جذرية أصيلة في الصغيرة والكبيرة من مناهجها، يهدد بقاءها بما في طبيعته من الحق والحيوية والحركة والانطلاق لتحطيم الطاغوت كله، ورد الناس جميعا إلى عبادة اللّه وحده.

وهذه الظاهرة الأخيرة والقاعدة الأصيلة التي تقوم عليها هي التي يقررها اللّه سبحانه في قوله عن المشركين: «وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا» ... (البقرة:217)

والتي يقول فيها عن أهل الكتاب: «وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ» .. (البقرة:109)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015