أهل الكتاب كذلك! - لهذه الدعوة ولهذه الحركة سواء في اليمن أم في الشام أم فيما وراء اليمن ووراء الشام إلى آخر الزمان! .. إنها طبائع الأشياء .. إنها أولا طبيعة المنهج الإسلامي التي يعرفها جيدا - ويستشعرها بالفطرة - أصحاب المناهج الأخرى! طبيعة الإصرار على إقامة مملكة اللّه في الأرض، وإخراج الناس كافة من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده وتحطيم الحواجز المادية التي تحول بين «الناس كافة» وبين حرية الاختيار الحقيقية .. ثم إنها ثانيا طبيعة التعارض بين منهجين للحياة لا التقاء بينهما في كبيرة ولا صغيرة وحرص أصحاب المناهج الأرضية على سحق المنهج الرباني الذي يتهدد وجودهم ومناهجهم وأوضاعهم قبل أن يسحقهم! .. فهي حتمية لا اختيار فيها - في الحقيقة - لهؤلاء ولا هؤلاء!
وكانت هذه الحتمية تفعل فعلها على مدى الزمن، وعلى مدى التجارب وتتجلى في صور شتى، تؤكد وتعمق ضرورة الخطوة النهائية الأخيرة التي أعلنت في هذه السورة ولم تكن الأسباب القريبة المباشرة التي تذكرها بعض الروايات إلا حلقات في سلسلة طويلة ممتدة على مدى السيرة النبوية الشريفة، وعلى مدى الحركة الإسلامية منذ أيامها الأولى ..
وبهذه السعة في النظرة إلى الجذور الأصيلة للموقف، وإلى تحركاته المستمرة، يمكن فهم هذه الخطوة الأخيرة. وذلك مع عدم إغفال الأسباب القريبة المباشرة، لأنها بدورها لا تعدو أن تكون حلقات في تلك السلسلة الطويلة. (?)
كانت التجربة تلو التجربة قد كشفت عن القانون الحتمي الذي يحكم العلاقات بين المجتمع المسلم الذي يفرد اللّه سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والحاكمية والتشريع والمجتمعات الجاهلية التي تجعل هذا كله لغير اللّه، أو تجعل فيه شركاء للّه .. هذا القانون الحتمي هو قانون الصراع الذي يعبر عنه قول اللّه سبحانه: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً» .. (الحج:40) والذي يقول عنه سبحانه كذلك: «وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ» .. (البقرة:251)