الرابع: إذا فرغ من غسل سَوْأَتيه لفَّ الخِرْقَةَ الأخرى على اليد، وأدخل أصبعه في فيه وأمرَّها على أسنانه بشيء من المَاء ولا يقعِّر فاه، وكذا يدخل طرف أصبعه في مَنْخَرَيْه بشيء من الماء؛ ليزيل ما فيها من الأذى، ثم يوضِّئه كما يتوضأ الحي ثلاثاً ثلاثاً، ويراعي المَضْمَضَة والاسْتِنْشَاق خلافاً لأبي حنيفة. لنا أَنَّ النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: قال للواتي غسلن ابنته: "ابْدَأنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا" (?).
وموضع المضمضة والاستنشاق من مواضع الوضوء.
ثم لفظ الكتاب وكلام الأكثرين يقتضي أَنْ يكون إدخال الأصبع [في] (?) الفم والمنخَرَيْن غير المَضْمَضة والاستِنْشَاق وأنه في الفم بمنزلة السِّواك وغرضه التَّنْظيف، وفي "الشَّامِلِ" وغيره ما يدل على أن المضمضة والاستنشاق ليسا وراء ذلك، والظاهر الأول، ثم يميل رأسه في المضمضة والاستنشاق حتى لا يصل الماء إلى باطنه، وهل يكتفي بوصول الماء إلى مَقَادِيمِ الشّعْرِ والمنخَرَيْن أم يوصل الماء إلى الداخل؟ حكى إمام الحرمين فيه تردد لخوف وصول الماء إلى جوفه، وتأثيره في تسارع الفساد إليه وقطع بأنه لو كانت أسنانه متراصّة لم يكلّف فتحها.
قال الغزالي: ثُمَّ يُتَعَهَّدُ شَعْرُهُ بِمُشْطٍ وَاسِعِ الأَسْنَانِ، ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْسَرِ وَيُصَبُّ المَاءُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ وَيصَبُّ المَاءُ عَلَى الشِّقِّ الأَيْسَرِ وَذَلِكَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثاً، فَإِنْ حَصَلَ الإِنْقَاءُ وَإِلاَّ فَخَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ، ثُمَّ يُبَالَغُ فِي تَنْشِيفِهِ صِيَانَةً لِلْكَفَنِ، وَيَسْتَعْمِلُ قَدْراً مِنَ الكَافُورِ لِدَفْعِ الهَوَامِّ، وَيسْتَعْمَلُ السِّدْرَ فِي بَعْضِ الغَسَلاَتِ، وَلاَ تَسْقُطُ (ح) الفَرْضُ بِهِ.
قال الرافعي: إذا فرغ من تَوضِيئه غسل رأسه، ثم لِحْيَتَه بالسِّدْرِ والخَطْمِيِّ، وسرَّحَهُمَا بمشط واسع الأْسنان إن تلبَّد شعرهما، ويرفق حتى لا يُنْتَف شيء، وإن أنتف ردَّه إليه، وليكن قوله: "بمشط" معلَّمًا بالحاء والألف؛ لأن عندهما لا يتعهّده بالمشط، ولكن يغسل ويزيل الوَسَخَ.
لنا ما روى أَنَّه -صلى الله عليه وسلم- قال: "افْعَلُوا بِمَيِّتِكُمْ مَا تَفْعَلُونَ بِعَرُوسِكُمْ" (?).