ذلك أرفق بالناس فإن صلاة العيد يحضرها الدّاني، والقاصي والفرسان والرّجالة وكذلك يحضرها النّساء الحُيّض ولا يتأتى لهنّ دخول المسجد.
وأظهرهما: وهو الذي ذكره العراقيون وتابعهم صاحب "التهذيب" وغيره: أَنَّ المسجد أولى لشرف المسجد وتسهيل الأمر على الناس عند سعته، والحُيّض إن حضرن وقفن على باب المسجد.
وفي كلام الأئمة ما يفهم بناء على هذا التّردد على أن إقامتهم الصلاة: "بمكة" كان لخصوص فضيلة المسجد الحرام أو لسعة الخطة، فإن قلنا بالثاني فالمسجد أولى في سائر البلاد أيضاً، وإن قلنا بالأول فلا.
ومهما خرج الإمام إلى الصّحراء فينبغي أن يستخلف في البلد من يصلِّي بضعفة النَّاس، كالشيوخ والزَّمْنَى والمرضى، وهذا على الصحيح في أن صلاة العيد لا يشترط فيها شروط الجُمْعَة، فإن شرطناها ولم نسْتَثْنِ إقامتها خارج البلدة فلا معنى لهذا التّفصيل، والاختلاف، ولا تقام في الصَّحراء أصلاً، وإن استثنينا هذا الشرط عن الاعتبار امتنع استخلاف من يصلّي بالضَّعفة ولم تقم إلا في موضع واحد كالجُمُعة.
والثَّاني: أن المستحبَّ للسّاعي إلا صلاة العيد، المشي دون الركوب لما روي أن النبي:، "مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلاَ جَنَازَةٍ قَطُّ" (?).
فإن عجز أو ضعف لكبر، أو مرض فله أن يركب، وأما في الرّجوع فإن شاء مشى، وإن شاء رَكِبَ -وَاللهُ أعلم-.
والثالث: أنه يستحب للإمام أن يؤخِّر الخروج في عيد الفطر قليلاً، ويعجل في عيد الأضحى، لما روى أنه: "كَتَبَ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ وَلاَّهُ الْبَحْرَيْنَ أَنْ عَجِّلَ الْأَضْحَى وَأَخِّرِ الْفِطْرَ وَذَكِّرَ النَّاسَ" (?).
والمَعْنَى فيه: أن شغل الناس وهو أمر الأضاحي يكون بعد الصَّلاَة، فالتَّعْجِيلُ أَوْلَى ليشتغلوا به وشغلهم يوم الفطر قبل الصلاة وهو تفريق صدقة الفطر، فالتأخير أولى ليفرغوا عنه، ويستحب للقوم أن يُبَكروا إذا صلّوا الصبح ليأخذوا مجالسهم وينتظروا الصلاة. إذا عرفت ذلك ونظرت في قوله في الكتاب: "وليكن الخروج في عيد الأضحى أسرع قليلاً"، وجدت نظم الكتاب يقتضي كون هذا الكلام في خروج القوم؛ لأنه عقبة بقوله: "ثم ليخرج الإمام".