قال الرافعي: يشترط إقامة الجمعة في دار الإقامة خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: يجوز إقامتها خارج البلد حيث تقام صلاة العيد، وبه قال أَحْمَدُ.
لنا: القياس على الموضع البعيد عن البلد، فإن كل واحد منهما خارج عن البلد، وأيضاً فَإِنَّ الجُمُعَةَ لم تَقُمْ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ فِي عَصْرِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- إِلاَّ فِي مَوَاضِعِ الإقَامَةِ (?)، وَلَوْلاَ أنه شرط لأشبه أن يقيموها في غيرها كسائر الجماعات، والمراد من دار الإقامة الأبنية التي يستوطنها المقيمون للجمعة، سواء في ذلك البلاد والقرى والسراب التي تتخذ وطناً، ولا فرق بين أن تكون الأبنية من حَجَرٍ، أو طِينٍ، أو خَشَبٍ؛ وأهل الخيام النازلون في الصحراء لا يقيمون الجمعة، فإنه إذا جاء الشتاء أْحوجهم إَلى الانتقال، فليسوا بمقيمين في ذلك الموضع، وإن اتخذوه وطنًا لا يبرحون عنه شتاءً ولا صيفاً ففيه قولان:
أحدهما: أنه تلزمهم الجمعة، ويقيمون في ذلك الموضع؛ لأنهم استوطنوه.
وأصحهما: لا؛ لأن قبائل العرب كانوا مقيمين حول المدينة وما كانوا يصلُّون الجمعة، ولا أمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وهذا لأنهم على هيئة المسافرين، وليس لهم أبنية المستوطنين.
ولو انهدمت أبنية البلدة أو القرية فأقام أهلها على العمارة (?) لزمهم إقامة الجمعة فيها، فإنهم في دار إقامتهم، سواء كانوا في مَظالّ أو غيرها، وكذا لو كانت الأبنية باقية، وليس من الشرط إقامتها في كنّ أو مسجد، بل يجوز إقامتها في فضاء معدودة من خطة البلدة غير خارج عنها؛ لأن الجماعة قد تكثر ويعسر اجتماعها في محوط، أما الموضع الخارج الذي إذا انتهى إليه من ينشئ السفر من البلدة كان له القَصْر لا يجوز
إقامة الجمعة فيه على ما سبق، وهذا هو الذي أراد بقوله: (إلى حد بترخص المسافر إذا انتهى إليه) واستعمال (إلى) هاهنا نحو استعمالها في قول الله تعالى جده: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (?) فليس الحد المذكور داخلاً في الخطة.
وقوله: (في الصحاري) معلم بالحاء والألف لما قدمناه، ويجوز وضعهما على قوله: (في خطة قرية أو بلدة) أيضاً، (ولا في الخيام) معلم بالواو؛ للقول الذي سبق حكايته.
قال الغزالي: الثَّالِثُ أَنْ لا تَكُونَ الجُمُعَةُ مَسْبُوقَةً بِجُمُعَةٍ أُخْرَى، فَلَوْ عُقِدَتْ