أحدها: الوقت، فلا مدخل للقضاء في الجمعة على صورتها بالاتفاق، بخلاف سائر الصلوات فإن الوقت ليس شرطاً في نفسها، وإنما هو شرط في إيقاعها أداءاً وقتها وقت الظهر خلافاً لأحمد حيث قال: يجوز فعلها قبل الزَّوال، واختلف أصحابه في ضبط وقته، فَمِنْ قَائِلِ: وقتها وقت صلاة العيدين، وَمِنْ قَائِلٍ، يقول: إنما تقام في السَّاعة السادسة.
لنا: ما روي عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ" (?). وقد ثبت عنه أنه قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (?).
وإذا خرج الوقت أو شك في خروجه فلا سبيل إلى الشروع فيها، ولو أغفلوها إلى أن لم يبق من الوقت ما يسع الخطبتين وركعتين يقتصر فيهما على ما لا بد منه، لم يشرعوا فيها وصلّوا الظهر، نص عليه في "الأم"، ولو شرعوا فيها في الوقت ووقع بعضها خارج الوقت فأتت الجمعة خلافاً لمالك وأحمد، هكذا أطلق أكثر أصحابنا النقل عنهما، وفصَّل الصيدلاني مذهب مالك، فقال: عنده إن صلوا ركعة ثم خرج الوقت أتموا الجمعة وإلا فقد فاتت.
لنا: أنها عبادة لا يجوز الابتداء بها بعد خروج وقتها، فتنقطع بخروج الوقت كالحج، وأيضاً فإن الوقت شرط في ابتداء الجمعة، فيكون شرطاً في دوامها كدار الإقامة، ثم إذا فاتت الجمعة فهل يتمها ظهراً، أم لا؟ ظاهر المذهب أنه يجب عليه أن يتمها ظُهْراً، ولا بأس ببنائها عليها؛ لأنهما صلاتا وقت واحد فجاز بناء أطولهما على أقصرهما؛ كصلاة الحضر مع السَّفَرِ، [وخرج] (?) فيه قول آخر: أنه لا يجوز بناء الظهر على الجمعة بل عليهم استئناف الظهر، وبه قال أَبُو حَنِيفَةَ، وبنوا هذا الخلاف على الخلاف في أن الجمعة ظهر مقصورة أم هي صلاة على حيالها؟ إن قلنا بالأول جاز البناء، وإلا فلا، وسيعود هذا الأصل في مواضع من الباب فإن قلنا: بظاهر المذهب فيسر بالقراءة من حينئذ، ولا يحتاج إلى تجديد نية الظهر على أصح الوجهين، ذكره في "العدة" على أن حكينا وجهاً ضعيفاً، أن الظهر تصح بنية الجمعة ابتداءً فهاهنا أولى.
وإن قلنا: لا بد من استئناف الظهر فهل تبطل صلاته أم تنقلب نفلاً؟ فيه قولان مذكوران في نظائرها، ولو شك في صلاته هل خرج الوقت أم لا؟ فوجهان:
أحدهما: يتمها جمعة وبه قال الأكثرون؛ لأن الأصل بقاء الوقت، وصار كما لو شَكَّ بعد الفراغ فيه.