لِينْصَرِفَ مَهْمَا لَقِيَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ، وَإِنْ تَمَادَى سَفَرُهُ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لاَ يَلْقَاهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَلَوْ تَرَكَ الطَّرِيقَ وَعَدَلَ إِلَى الطَّوِيلِ لِغَيْرِ غَرَضٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ (ح وز)، وَمَهْمَا بَدَا لَهُ الرُّجُوُعُ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ انْقَطَعَ سَفَرُهُ فَلْيُتِمَّ إِلَى أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ مَكَانِهِ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَرْحَلَتَينِ.
قال الرافعي: القيد الثاني كون السفر طويلاً، واختلفت عبارات الشَّافعي -رضي الله عنه- في حده فقال في "المختصر" وغيره: ستة وأربعون ميلاً بالهَاشِمي.
وقال في موضع: ثمانية وأربعون ميلاً.
وقال في موضع: أربعون ميلاً.
وقال في موضع: أربعة بُرُد.
وقال في موضع: مسيرة يومين واتفق الأصحاب على أنه ليس له في ذلك اختلاف قول وحيث قال: ستة وأربعون أراد ما سوى الميل الأول والآخر وحيث قال: ثمانية وأربعون أدخلهما في الحساب، وحيث قال: أربعون أراد بأميال بني أمية، وهي ثمانية وأربعون ميلاً، وهي أميال هاشم جد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ وكان قد قدر أميال البادية، فيكون ستة عشر فرسخاً؛ لأن كل ثلاثة أميال فرسخ وهي أربعة برد؛ لأن كل بريد أربعة فراسخ، ومسيرة يومين؛ لأن مسيرة كل يوم على الاعتدال ثمانية فراسخ، وكل ميل أربعة آلاف خطوة، واثني عشر ألف قدم، لأن كل خطوة ثلاثة أقدام. وقال أبو حنيفة: السَّفَرُ الطَّوِيلُ مَسِيرة ثلاثة أيام، ولم يقدر بالفَرَاسِخِ والأَمْيَالِ.
وذكر القاضي الروياني وغيره من أصحابنا أنه أربعة وعشرون فرسخاً عنده، وهو على قياس مسيرة اليومين كما ذكرناه. لنا ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يَا أَهْلَ مَكَّةَ لاَ تَقْصُرُوا فِي أَقَلِّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى عَسْفَانَ وَإِلَى الطَّائِفِ" (?).
وهو يقتضي الترخيص في هذا القدر، وروي مثل مذهبنا عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما من الصَّحَابة -رضوان الله عليهم أجمعين- (?).
وبه قال مالك وأحمد، واستحب الشافعي -رضي الله عنه- أن لا يقصر في أقل