وقوله: (إلا إذا كان الغرض قتالاً) كلام في المحارب، ولا فرق بين أن يكون مشغولاً بالحرب أو مستعداً لَهُ أو خائفاً منه، وإن لم يتمحض ذلك غرضاً له، والحكم سواء في جميع هذه المسائل.
واعرف في قوله: "فيترخص على أظهر القولين" أشياء:
أحدها: أنه يجوز إعلام قوله: (على أظهر القولين) بالواو إشارة إلى طريقة تحصل بما حكينا من ترتيب الحالة الثانية على الأولى ويحرم بالمنع.
والثاني: أن الحكم يكون الترخص أظهر القولين ليس في هذه الحالة على خلاف المشهور، وإنما جعلوا قول الترخص أظهر وأصحِّ، فيما إذا كان يتوقع تنجز الغرض كل ساعة، وأما هذه الصورة فقد جعلوها بمثابة ما لو عزم على الإقامة مدة طويلة. وقد ذكرنا أنه إن كان محارباً، ففي ترخصه قولان، والأصح منهما: أنه لا يترخص وهو مقيم.
والثَّالِثُ: أنه أراد بقوله: (فيترخص على أظهر القولين) أنه يترخص ثمانية عشر يوماً على ما يثبته سياق الكلام، والمقابل له أنه لا يترخص هذه المُدَّة، وحينئذ ما الحكم؟ أنقول لا يترخص أصلاً، أم يترخص دون هذه المدة؟.
إن قلنا: الحكم في هذه الحالة كالحكم فيما إذا كان يتوقع مجاز غرضه كلّ ساعة فيترخص ثلاثة أيام كما سَبَق.
وإن قلنا: إنه مطمئن ليس على هيئة المسافرين، فلا يترخص أيضاً، كما إذا نوى الإقامة فوق أربعة يصير مقيماً في الحال. وقوله: (وإن كان يتوقع إنجاز غرض ...) إلى آخره، وهو الحالة الأولى.
وقوله: (فيترخص) يجوز أن يكون جواباً على الطريقة القاطعة بالترخيص إلى ثمانية عشر يوماً، ويجوز أن يكون جواباً على الأصح مع تسليم الخلاف، وهو الذي ذكره في "الوسيط"، وعلى التقديرين فهو معلم بالواو، ثم لم يبين أنه كم يترخص؟ وربما يفهم ظاهر اللفظ الترخيص على الإطلاق، لكن الأصح أنه لا يترخص بعد الثمانية عشر، وقد بَيَّنَّا جميع ذلك.
قال الغزالي: أَمَّا الطَّوِيلُ فَحَدُّهُ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ (ح) وَهُوَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً لاَ تُحْتَسبُ مِنْهَا مُدَّةُ الإِيَابِ، وَيَشْتَرِطُ عَزمُهُ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ، فَلَوْ خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ (?)