وإذا كان النازل على ربوة، فلا بد من أن يهبط، وإنه كان في وهدة فلا بد من أن يصعد، وهذا أيضاً عند الاعتدال كما ذكرنا في الوادي، وإذا كان في قوم أهل خيام كالأعراب والأكراد فإنما يترخص إذا فارق الخيام مجتمعة أو متفرقة ما دامت تعد حلة واحدة، وهي بمثابة أبنية البلدة والقرية، ولا يعتبر مفارقته لحلة أخرى، بل الحلتان كالقريتين المتقاربتين، وضبط الصَّيدلاني التفرق الذي لا يؤثر، بأن يكونوا بحيث يجتمعون للسمر في ناد واحد، ويستعير بعضهم من بعض فإذا كانوا بهذه الحالة فهم حَيٌّ واحد، ويعتبر مع مجاوزة الخيام مجاوزة مرافقيها كمطرح الرماد، وملعب الصبيان، والنادي، ومعاطن الإبل، فإنها معدوة من جملة مواضع إقامتهم.

وقوله: (وعلى النازل في الوادي أن يخرج عن عرض الوادي) وفي بعض النسخ: (أن يجزع عرض الوادي) وفي بعضها: (أن يجاوز) والمعنى لا يختلف، يقال: جزع الوادي أي قطعة وجزعة منعطفة، وفي الكلام إضمار معناه: يشترط عليه الخروج عن عرض الوادي إن كان سفره في صوب العرض.

وقوله: (يهبط إن كان على ربوة) لا يختص بالنازل في الوادي، بل الربوة والوهدة في غير الوادي أغلب، وقد يفرضان فيه أيضاً، والحكم لا يختلف، وليست كلمة (أو) فيهما مجاوزة الخيام للتخيير، لكن المقصد التعرض لأحوال النازل في الصحراء، وهو تارة يكون في وادٍ، وتارة على ربوة، وتارة تكون في وهدة، وتارة في مستوٍ من الأرض، فلا يفرض في حقه خروج من العرض ولا هبوط، ولا صعود، ولكنه يجاوز الخيام إن كان في حلة، ولا فرق في اعتبار مجاوزة عرض الوادي والصعود والهبوط بين المقيم المنفرد في خيمة، وبين أن يكون في جماعة أهل خيام على التفصيل الذي بيناه، ولك أن تعلم قوله: (أو يجاوز الخيام) بالواو؛ لأن القاضي ابن كج حكى وجهاً، أنه لا يعتبر مفارقة الخيام، بل يكفي مفارقته خيمته خاصة.

قال الغزالي: فَإِنْ رَجَعَ المُسَافِرُ لِأَخْذِ شَيْءِ نَسِيَهُ لَمْ يُقْصِرْ فِي رُجُوعِهِ إلى وَطَنِهِ إِلاَّ إِذَا رَجَعَ إِلَى بَلَدٍ كَانَ غَرِيباً، فَأَظْهَرُ الوَجْهَيْنِ أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَقَامَ بِهَا.

قال الرافعي: إذا فارق المسافر بنيان البلدة، ثم رجع إليها لحاجة كأخذ شيء نسية، وغسل الدم من رعاف أصابعه، وتجديد طهارة، وما أشبه ذلك فلتلك البلدة أحوال ثلاث:

إحداها: أن لا يكون له بها إقامة أصلاً، فلا يصير مقيمًا بالرجوع إليها والحصول فيها.

والثانية: [أن تكون وطنه، فليس له القصر إذا عاد إليها، لحصوله في مسكنه وموضع إقامته، وإنما يترخص إذا فارقها ثانياً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015