ذكرها مقيدة بالتحويط، وهذا الذي ذكره حجة الإسلام -قدس الله روحه- من اعتبار مجاوزة البساتين، والمزارع المحوطة، جميعاً بخلاف ما نقله غيره، أما إمام الحرمين، فإنه اعتبر مجاوزة البساتين.
وقال: هي معدودة من القُرَى، ولم يعتبر مجاوزة المزارع؛ لأنها ليست مَوْضِعَ سُكُونٍ، ثم قال: "فلو كانت بساتينها غير محوطة على هيئة المزارع أو مزارعها محوطة فلا يشترط عندي مجاوزتها" فصرح بأن مجاوزة المزارع وإن كانت محوطة لا تشترط.
وأما العراقيون من أصحابنا فإنهم لم يشترطوا مجاوزة البساتين، ولا مجاوزة المزارع، لأنهم ذكروا عدم الاشتراط في البلد، ثم قالوا: الحكم في القرى إذا أراد أن يسافر من القرية كالحكم في البلدة سواء، هذا لفظ المحاملي وغيره، فإذاً يجب إعلام قوله: (ويشترط مجاوزتها جميعاً على سكان القرى) بالواو ومعرفة ما فيه، ولو فرضت قريتان ليس بينهما انفصال فارق فهما كمحلتين، فيجب مجاوزتهما.
قال الإمام: وفيه احتمال فلو كان بينهما انفصال فإذا فارق قريته كفى وإن كانتا في غاية التقارب.
وعن ابن سريج أنهما إذا تقاربتا وجب مفارقتهما.
ولو جمع سور قرى متفاصلة فلا يشترط للسفر منها مجاوزة ذلك السور، وكذا لو قدر ذلك في بلدتين متقاربتين.
ويتبين بهذا أن قوله في الكتاب: (عند مجاوزة السور) المراد منه السور المختص بالموضع الذي يرتحل منه، وأما المقيم في الصحارى، فلا بد له من مفارقة البقعة التي أقام بها قدر ما يكون فيه رحله وأمتعته وينتسب إليه، فإن سكن وادياً وسافر في عرضه فلا بد من مجاوزة عرض الوادي، نص عليه الشافعي -رضي الله عنه-.
قال الأصحاب: وهذا على الغالب في اتساع الوادي، فإن أفرطت السّعة لم يجب إلا مجاوزة القدر الذي يُعَد موضع نزوله أو موضع الحلة (?) التي هو منها، كما لو سافر في طول الوادي.
وعن القاضي أبي الطيب: أن كلام الشافعي -رضي الله عنه- مجرى على إطلاقه، وجانبا الوادي بمثابة سور البلد، والنازل فيهما يتحصن بهما، فلا بد من مجاوزتهما،