واحتج المزني بأنه إذا جاز النفل خلف من يصلي الفرض جاز الفرض خلف من يصلي النفل، قال الأصحاب: والجامع أنهما صلاتان متفقتان في الأفعال الظاهرة.

الثالثة: لا يشترط لصحة الاقتداء أن ينوي الإمام الإمامة، سواء اقتدى به الرجال أو النساء، خلافاً لأحمد حيث اشترط ذلك، ولأبي حنيفة حيث قال: إن أمَّ نساء لا تصح صلاتهن ما لم ينو إمامتهن، وإنما قصد حجة الإسلام بقوله: وإن اقتدت به النساء التعرض لمذهبه.

لنا على أحمد ما روي عن أنس -رضي الله عنه- قال: "أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّي فَوَقَفْتُ خَلْفَهُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ حَتَّى صِرْنَا رَهْطاً كَثِيراً، فَلَمَّا أَحَسَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بنَا أَوْجَزَ في صَلاَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا فَعَلْتُ هذَا لَكُمْ" (?).

ويروى: أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَدْخُلُ فَيَرَى أَبَا بَكْرِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي الصَّلاَةِ فَيَقْتَدِي بِهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذلِكَ إِذَا رَأَى عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يُصَلِّي" (?) وعلى أبي حنيفة: القياس على ما إذا أمَّ رجلاً، وإذا لم ينو الإمام الإمامة صحت صلاته، بخلاف المأموم، فإن صلاته إنما تبطل بتوقيفه إياها على أفعال من ليس إماماً له، وهاهنا أفعال الإمام غير مربوطة بغيره، وهل تكون صلاته جماعة حتى ينال بها فضيلة الجماعة، فيه وجهان:

أحدهما: نعم لتأدي شعار الجماعة (?) بما جرى، وإن لم يكن عن قصد منه.

وأصحهما: لا، إذ ليس للمرء من عمله إلا ما نَوَى، ويقال: إن القَفَّال سُئِل عمن كان يصلي منفرداً فاقتدى به قوم وهو لا يدري، هل ينال فضيلة الجماعة فقال: الذي يجاب به على فضل الله تعالى: أنه ينالها؛ لأنهم بسببه نَالُوهَا، وهذا كالتوسط بين الوجهين، ومن فوائد الوجهين: أنه إذا لم ينو الإمامة في صلاة الجمعة هل تصح جمعته؛ والأصح أنهما لا تصح، وبه قال القاضي الحسين، وعلى هذا فقوله في الكتاب: (ولا تجب نية الإمامة على الإمام) غير مجرى على إطلاقه، بل الجمعة مستثناه عنه واعلم أن أبا الحسن العبادي حكى عن أبي حفص، وعن القفال: أنه تجب نية الإمامة على الإمام، وأشعر كلامه بأنهما يشترطانها في صحة الاقتداء، فإن كان كذلك فليكن قوله: (ولا تجب نية الإمام [على الإمام] [مع الألف] (?) معلماً بالواو، ولو نوى الإمام الإمامة، وعين في نيته المقتدي فبان خلافه لم يضر، لأن غلطه في النية لا يزيد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015