ومنها: في تَزْوِيجِ المُسْتَوْلَدَةِ ثَلاثَةُ أقوال:
أصحهما: وبه قال أبو حَنِيْفَةَ، واختاره المُزَنِيُّ-: أن للسيد الاسْتِقْلاَلَ به، كما في القِنَّةِ؛ لأنه يَمْلِكُ إِجَارَتَهَا، فيملك تَزْوِيجَهَا، ولأنه يَحِلُّ له الاسْتِمْتَاعُ بها؛ فَيَجْوزُ له التَّزْوِيجُ كالمُدَبَّرَةِ.
والثاني: قال في القَدِيمِ: لا يُزوِّجُهَا إلاَّ بِرِضَاهَا؛ لأنه يَثْبُتُ لها حَقُّ حُرِّيَّةٍ ما لا يملك إبطالها، فلا يُزَوِّجُهَا إِلاَّ بِرِضَاهَا كالمُكَاتَبَةِ.
والثالث: ليس له تَزْوِيجُهَا، وإِن رَضِيَتْ؛ لأن مِلْكَ السَّيِّدِ فيها ضَعِيفٌ وهي نَاقِصَةٌ في نفسها، فصار كَتَزْوِيجِ الأَخِ والعَمِّ الصغير.
وعلى هذا؛ فهل يُزَوِّجُهَا القَاضِي؟ فيه وجهان:
عن أبي إِسْحَاقَ والإِصْطَخْرِيِّ: نعم، ولا بد من رِضَا السَّيِّدِ؛ لأن المَهْرَ له، ومن رِضَاها؛ لأن الاسْتِمْتَاعَ بها.
وعن ابن أبي هُرَيْرَةَ: المَنْعُ؛ فإن الحاكم بَدَلٌ عن السَّيِّدِ، فهذا لم يملك السيد، فالحاكم أَوْلَى. ويجري الخِلاَفُ في تَزْوِيجِ بِنْتِ المُسْتَوْلَدَةِ؛ فإذا جَوَّزْنَا، فلا حَاجَةَ إلى الاسْتِبْرَاءِ، بخلاف ما في المُسْتَوْلَدَةِ، فإنها كانت فِرَاشاً له.
وابن المُسْتَوْلَدَةِ لا يجبره السيد على النِّكَاحِ، وليس له أن يَنْكِحَ بغير إِذْنِ السيد، فإن أَذِنَ؛ ففيه وجهان (?) تَخْرِيجاً من الخِلاَفِ في تَزْوِيجِ المُسْتَوْلَدَةِ ذكره الرُّوَيانِيُّ في "الكافي"، وقد عرفت بما ذكرنا أن قَوْلَهُ في الكتاب: "وقيل لا يجوز إلاَّ برضاها".
وقوله: "وقيل يجوز برضاها" أيضاً، يجوز إِعلامهما بالحاء، وهما قَوْلاَنِ لا وَجْهَانِ، ويقال: إن الآخر مُخَرَّجٌ. وقوله: "إلاَّ بمُرَاجَعَةِ القَاضي"؛ يوافق المَنْقُول عن أبي إِسْحَاقَ والإصْطَخْرِيِّ -رحمهما الله-.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: (فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا:) لَوْ نَكَحَ جَارِيَةً فَوَلَدتْ وَلَدَاً رَقِيقاً ثُمَّ اشْتَرَاهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَداً آخَرَ في نِكَاحٍ غُرُورٍ أوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ ثمَّ اشْتَرَاهَا فَهَلْ تُعْتَبَرُ مُسْتَوْلَدَة عَلَيْهِ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إِذَا زنا إنْسَانٌ بِأَمَةٍ، وأَتَتْ بِوَلَدٍ من الزِّنَا، ثم مَلِكَهَا لم تصر أُمَّ وَلَدٍ له، ولو مَلِكَ ذلك الوَلَدَ، لم يُعْتَقْ عليه. وعند أبي حَنِيْفَةَ: يُعْتَقْ عليه؛ لأنه مُنْعَقِدٌ من مَائِهِ.