الزِّنَا حكمهم حُكْمُ الأُمِّ؛ لأن الوَلَدَ يتبع الأُمَّ في الحُرِّيَّةِ، فكذلك في حَقِّ الحُرِّيَّةِ، ولا يجيء فيهم الخِلاَفُ المَذْكُورُ في وَلَدِ المُدَبَّرَةِ والمكاتبة، فإن الاسْتِيلاَدَ أَقْوَى؛ لأنه لا يُرْفَعُ بِحَال. والتَّدْبِيرُ والكِتَابَةُ يَقْبَلاَنِ الرَّفْعَ، فليس للسَّيِّدِ بَيْعُهُم، ويُعْتَقُونَ بموته وإن كانت الأُمُّ قد مَاتَتْ في حَيَاةِ السَّيِّدِ.
ولو أعتق السَّيِّدُ الأُمَّ، لم يعتق الوَلَدُ، وكذا حكم العَكْس، كما في التَّدْبير، بخلاف ما إذا أَعْتَقَ المُكَاتَبَةَ، يعتق وَلَدُهَا؛ لما سَبَقَ. ولو ولدت (?) المُسْتَوْلَدَةُ من وطء شُبْهَةٍ، فإن كان الوَاطِئُ يَعْتَقِدُ أنها زَوْجَتُهُ الأَمَةُ، فالوَلَدُ رَقِيقٌ للسيد كالأُمِّ، وهو كما لو أتت به من نِكَاحٍ أو زِنا، وإن كان يَعْتَقِدُ أنها زوْجَتُهُ الحُرَّةُ، أو أَمَتُهُ، فينعقد الولد حُرٌّ، وعليه قِيمَتُهُ للسَّيِّدِ.
وأما الأولاد الحَاصِلُونَ قبل الاسْتِيلاَدِ من النكاح أو الزنا، فليس لهم حُكْمُ الأُمِّ، وللسيد بَيْعُهُمْ إذا ولدوا في مِلْكِهِ، ولا يُعْتَقُونَ بِمَوْتِهِ؛ لِحُدُوثهِ قبل أن يَثْبُتَ للأم حَقُّ الحرية. ومنها: المُسْتَوْلَدَةُ فيما سِوَى نَقْلِ المِلْكِ فيها كالقِنَّةِ، فله إِجَارَتُهَا واسْتِخْدَامُهَا وَوَطْؤُهَا.
وعن مالك: المَنْعُ من إجَارَتهَا. واحتج الأَصْحَابُ بأنه يملك اسْتِخْدَامَهَا، فيملك إِجَارَتَهَا كالمُدبَّرَةِ، وله أرْشُ الجِنَايَةِ عليها، وعلى أولادها [التابعين] (?) لها، وقيمتهم إذا قتلوا ومن غَصَبَ المُسْتَوْلَدَةَ [فتلفت] (?) من يَدِهِ ضَمِنَهَا كالقِنَّةِ.
ومَسْأَلَةُ الغَصْبِ مُكَرَّرَةٌ أَوْرَدَهَا في "الغَصْب" مَرَّةً، [وقد ذكرنا] (?) هناك خِلاَفَ أبي حَنِيْفَةَ -رحمه الله- فيها. ولو شَهِدَ شَاهِدَانِ على إِقْرَارِ السَّيِّدِ بالاسْتِيلاَدِ، وحكم القاضي بِشَهَادَتِهِمَا، ثم رجعا.
فعن الشيخ أبي عَلِيٍّ أنهما لا يُغَرَّمَانِ شيئاً؛ لأن المِلْكَ بَاقٍ في المُسْتَوْلَدَةِ، ولو لم ينويا إلاَّ سَلْطَنَةَ البَيْعِ، ولا قيمة لها على تَجَرُّدِهَا وليس هذا كإِبَاقِ العَبْدِ من يَدِ الغَاصِبِ، في أنه في عَهْدِهِ ضَمَانُ يَدِهِ حتى يَعْودَ المَغْصُوبُ إلى مُسْتَحقِّه.
قال الإِمَامُ: وإذا مات السَّيِّدُ، ومات المِلْكُ، فالذي نَرَاهُ أن عليهما الغُرْمَ لِلْوَرَثَةِ؛ لأن هذه الشَّهَادَةَ لا تَنْحَطُّ عن الشَّهَادَةِ على تعليق العِتْقِ. ولو شَهِدَ على التَّعْلِيقِ فوجدت الصِّفَةُ، وحكمنا بِشَهَادَتِهِمَا، ثم رَجَعَا لزمهما الغُرْمُ (?).