واعلم أن هذه الكيفية في صلاة ذات الرقاع، رواها ابن عمر -رضي الله عنهما- والذي ذكرها المصنف في صلاة الخوف غير هذه، وسنذكرها -إن شاء الله تعالى- (?)، ثم القدر المذكور من أي شيء أخذ معتبراً بالتقريب على أصح الوجهين لا بالتحديد، ولو وقف شخصان أو صفان خلف الإمام فالمسافة المذكورة تعتبر بين الصف الأخير وبين الصف الأول، ويجوز أن تكثر الصفوف ويبلغ ما بين الإمام والصف الأخير فرسخاً، وحكى وجهاً أنها تعتبر بين الإمام والصف الأخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الإمام متصلة على العادة، ولا بأس بأن يكون بين الإمام والمأموم، أو بين الصفين نهر يمكن العبور من أحد طرفيه إلى الآخر من غير سباحة، إما بالوثوب فوقه، أو المشي فيه أو على جسر ممدود على متنه وإن كان يحتاج فيه إلى السباحة، أو كان بينهما شارع مطروق فوجهان:

أصحهما: أن ذلك لا يضر أيضاً، كما لو كانا في سفينتين على ما سيأتي، ولا فرق في الحكم الذي ذكرناه بين أن يكون الفضاء مواتاً كله، أو وقفاً كله، أو ملكاً كله، أو بعضه مواتاً وبعضه وقفاً أو ملكاً.

قال في "النهاية": وذكر شيخي وغيره وجهاً آخر: أن في السَّاحَةِ المملوكة يشترط اتصال الصفوف، كما سيأتي بخلاف الموات؛ لأنه يشبه المسجد من حيث إنه مشترك بين المسلمين (?) وليس الملك كذلك، وإذا قلنا بظاهر المذهب فلا فرق بين أن تكون السَّاحة ملكاً لشخصٍ واحدٍ وبين أن تكون لشخصين، ونقل الصَّيْدَلاَنِيُّ وغيره وجهاً آخر: أنه لو وقف أحدهما في ملك زيد، والآخر في ملك عمرو يشترط اتصال الصف من أحد الملكين بالثاني.

وقوله في الكتاب: (أو بالتقارب كقدر غَلْوة سهم يسمعُ فيها صوت الإمام في الساحات المنبسطة) فيه تقديم وتأخير، والمعنى: أو بالتقارب في الساحات المنبسطة كقدر غلوة السهم، ويجوز أنه يعلم قوله: (بالتقارب) بالميم؛ لأن الغرض من اعتبار القرب في السَّاحَاتِ، وأنه لا يكتفي بوقوف المأموم على حركات الإمام وانتقالاته، وقد قال إمام الحرمين: بلغت عن مالك -رضي الله عنه- أنه ذهب في الباب إلى مذهب عطاء (?)، واشتهر عن عطاء -رحمه الله- أنه يكتفي بالعلم بحركات الإمام في جميع الأماكن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015