والجواب أن أبا سعيد المتولي -رحمه الله- ذكر فيما إذا كان بين مسجدين طريق فاصل أن ظاهر المذهب أنه ليس حكمهما حكم المسجد الواحد، وفي "التهذيب": أنه لو كان بين الإمام والمأموم الواقفين في المسجد نهر إن حفر بعد بناء المسجد فالنهر مسجد أيضاً فلا يضر، وإن حفر قبله فهما مسجدان غير متصلين، فلا بد من اتصال الصف من أحدهما إلى الآخر، فأفاد ما ذكراه أن الطريق والنهر يوجبان تغاير حكم المسجد وتمايزها، وإذاكان كذلك فالجدار الحائل بين مسجدين لا ينفذ باب أحدهما إلى الآخر أولى أن يكون موجباً لتغاير الحكم، وفي كلام الشيخ أبي محمد: أنه لو كان في جوار المسجد مسجد آخر ينفرد بإمام ومؤذن وجماعة فيكون حكم كل واحد منهما بالإضافة إلى الثاني كالملك المتصل بالمسجد، وهذا كالضابط الفارق بين المسجد الواحد والمسجدين، وظاهره يقتضي تغاير الحكم إذا انفرد بالأمور المذكورة، وإن كان باب أحدهما لاَفِظاً إلى الثاني -والله أعلم- (?).

وأما رحبة المسجد فقد عدها الأكثرون منه، ولم يذكروا فرقاً بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أو لا يكون، ونزلها القاضي ابن كج إذا كانت منفصلة منزلة مسجد آخر، وقوله: (واختلاف البناء) يجوز أن يعلّم بالواو؛ لأنه يشمل ما إذا كان بينهما باب مغلق وقد حكينا فيه خلافاً.

القسم الثاني: أن لا يكون واحد منهما في المسجد فلهما حالتان:

إحداهما: أن يكونا في فضاء واحد، ويشتمل عليها قوله: (أو بالتقارب) إلى قوله (غير مبني) وحكمها: أنه يجوز الاقتداء بشرط القرب، وهو: أن لا يزيد بين الإمام والمأموم الذي يليه على ثلاثمائة ذراع (?) ومم أخذ هذا التقدير؟ اختلفوا فيه، فعن ابن خيران، وابن الوكيل وبه قال الأكثرون: أنه أخذ مِنْ عُرْفِ النَّاس وعادتهم؛ لأن المكان إذا اتسع ولا حائل يعده المتباعدان ضرباً من البعد مجتمعين.

وعن ابن سريج، وأبي إسحاق: "أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بِذَاتِ الرِّقَاع فَإنَّهُ تَنَحَّى بطَائِفَةٍ إِلَى حَيْثُ لاَ تُصِيبُهُمْ سِهَامُ العَدُّوِّ، وَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً، وانْصَرَفَتِ الطَّائِفَةُ إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ، وَهُمْ فِي الصَّلاَةِ عَلَى حُكْمِ الاقْتِدَاءِ، وَسِهَامُ الْعَرَبِ لاَ تَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ الْقَدْرِ المَذْكُورِ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015