القارئ الذي ليس بفقيه، وحكى القاضي الروياني وغيره وجهاً آخر أن الأقرأ والأفقه يستويان لتقابل الفضيلتين، فليكن قوله: (أولى من الأقرأ) معلماً بالواو مع الحاء والألف؛ وإنما قال الذي يحسن الفاتحة، إشارة إلى أن الأفقه لو لم يحسن الواجب من القراءة لا يكون أولى من الأقرأ، وإنما الأولوية بشرط أن يقرأ ما يجب.
الرابعة: تقدم كل واحدة من خصلتي الفقه والقراءة على السِّنِّ والنَّسَبِ والهجرة، ونَصَّ في صلاة الجنازة على تقديم الأسن على الأفقه كما سيأتي في موضعه، فحكى صاحب "النهاية" أن العراقيين حكوا عن بعض الأصحاب جعل المسألتين على قولين نقلاً وتخريجاً، فيجوز أن يعلم بالواو لذلك لفظ: (الأسن) أيضاً، وإذا استويا فيهما فبماذا يقع التقديم، أما المتعرضون للهجرة فقد اختلفت طرقهم، قال الشيخ أبو حامد وجماعة؛ لا خلاف في تقدم السِّنِّ والنَسَبِ جميعاً على الهجرة، وفي السِّنِّ وفي النسب إذا تعارضا فاجتمع شاب قرشي وشيخ غير قرشي قولان:
الجديد: أن الشيخ أولى؛ لما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ" (?) ولأن النسب فضيلة في الآباء، والسِّنِّ فضيلة في ذات الشخص، واعتبار الفضيلة التي في ذاته أولى.
والقديم: أن الشَّاب النسيب أولى لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "قَدِّمُوا قُرَيْشاً" (?) ولأن شرف النسب بفضيلة اكتسبها الآباء، والسِّن مُضِيُّ زَمَانٍ لا اكتساب فيه، واعتبار الفضيلة المكتسبة أولى، وعكس صاحب "التهذيب" و"التتمة" الترتيب، فقال: الهجرة مقدمة على السِّنِّ والنسب، وفيهما القولان، وأدرج آخرون منهم صاحب "المهذب" الهجرة في حكاية القولين فقالوا في الجديد: يقدم بالسن [ثم بالنسب] (?)، ثم بالهجرة، ثم في "القديم" يقدم بالنسب، ثم بالهجرة، ثم بالسن، وأما صاحب الكتاب ومن لم يتعرض للهجرة اقتصروا على ذكر القولين في السِّنِّ والنَّسَبِ، وطريقتهم توافق ما ذكره الشيخ أبو حامد، فإنهم يرجحون بالهجرة بعد السن والنسب لا محالة، وإن لم يعدوها من أصول الخصال، ورَجَّحَ جماعة من الأصحاب القول القديم في المسألة على خلاف الغالب.
الخامسة: إذا تساويا في جميع الصفات المذكورة؛ قدم بنظافة الثوب والبدن عن الأوساخ، وطيب الصنعة وحسن الصوت، وما أشبهها من الفضائل؛ لأنها تفضي إلى