لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
وبُنِيَ على الوجهين، ما إذا أَقَامَ المُدَّعِي شُهُوداً، فزعم المُدَّعَى عَلَيْهِ أن المدعي أَقَرَّ بأن شُهُودَهُ كَذَبَةٌ، وأقام عليه شاهداً وَاحِداً، وأراد أن يَحْلِفَ معه، هل يُمَكَّنُ؟ وهل يُحْكَمُ بشاهده ويمينه؟ إن قلنا: هذا الإِقْرَارُ لا يُبْطِلُ أَصْلَ الدعوى، فلا؛ لأن المَقْصُودَ حينئذ الطَّعْنُ في الشهود، وإخْرَاجُ شهاداتهم عن أن يُحْكَمَ بها، وجرح الشهود، والطَّعْنُ فيهم، لا يَثْبُتُ بشاهد وَيمِينٍ، وإن كانت الشهادة في مَالٍ.
وإن قلنا: إنه يبطل أصل الدعوى، مُكِّنَ؛ لأن المَقْصُودَ، والحالة هذه، إِسْقَاطُ الدعوى بمالمال، فهو بِمَثَابَةِ، ما لو ادَّعَى الإِبْرَاءَ؛ فإنه يثبت بشاهد ويمين.
مما جمع في "فتاوى القَفَّالِ" وغيره:
أقام شَاهِدَيْنِ في هذه الحَادِثَةِ؛ أنهما اسْتَبَاعَا الدَّار منه، واندفعت شَهَادتهما (?)، ولو أقام شَاهِدَيْن على أن هذه الدَّار مِلْكُهُ، فأقام المَشْهُودُ عليه شَاهِدَيْنِ، على أن شاهدي المدعي (?) قد قالا: لا شَهَادَةَ لنا في ذلك، فسألهما الحاكم: متى قال ذلك شَاهِدَا المُدَّعِي؟ فإن قالا: قالاه أَمْسِ، أو منذ شهر، لم يندفع بشهادتهما بذلك؛ لأنهما قد لا يَكُونَا شَاهِدَيْنِ، ثم يَصِيرا شَاهِدَيْنِ.
وإن قَالاَهُ حين قَصَدْنَا لإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، اندفعت شَهَادَتُهُمَا.
ولو أقام المَشْهُودُ عليه شَاهِدَيْنِ، أن المدعي أَقَرَّ بأن شاهديه شَرِبَا الخَمْرَ وَقْتَ كذا، فإن طَالَتِ المُدَّةُ بينه وبين أَدَاءِ الشهادة، لم يَقْتَضِ ذلك رَدَّ الشَّهَادَةِ. وإن كانت المُدَّةُ يَسِيرَةً، رُدَّتْ، شهادتهما.
وإن شَهِدَا أنَّه أَقَرَّ بأنهما شَرِبَا الخَمْرَ من غير تَعْيِينِ وَقتِ، سُئِلَ المدعي عن وَقْتِهِ، وحُكِمَ بما يَقْتَضِيهِ تعيينه.
ولو أَقَامَ المدَّعِي بَيِّنَةً، ثم قال للقاضي: لا تَحْكُمْ بشيء حتى تُحَلِّفَهُ، كانت بَيِّنَتُهُ