حكوا عن أبي إسحاق المروزي أن الصلاة منفرداً أولى من الصلاة خلف الحنفي، وهذا مبني على جواز الصلاة خلفه، وفيه خلاف يأتي من بعد، وفي المسألة وجه آخر حكاه في "النهاية" أن رعاية حق الجوار أولى على الإطلاق، لأنا لو جوزنا العدول عن المسجد القريب، ولا شك أن يعدل عنه واحد بعد واحد، فيفضي إلى تعطيله.

وأما لفظ الكتاب فقوله: (وليست بواجبة) يعني به الوجوب على الأعيان، وهو معلم بالألف والواو وقوله: (تستحب للنساء) معلم بالحاء والميم وبالألف أيضاً لإحدى الروايتين عن أحمد، والمراد أصل الاستحباب [ثم في كيفية الاستحباب] (?) ما سبق من الخلاف.

وقوله: (إلا إذا تعطل في جواره مسجد) ليس فيه إلا استثناء الحالة الأولى، وقد استثنى كثير من الأصحاب الحالة الثانية أيضاً كما ذكرنا، ويجوز أن يعلم قوله: (في الجمع الكثير أفضل) بالواو، لأنه يدخل فيه ما إذ كان في جواره مسجد ولم يتعطل إذا لم يستثن إلا إذا تعطل، وقد ذكرنا وجهاً أن الأفضل رعاية حق الجوار، وإن لم يتعطل.

قال الغزالي: وَفَضِيلَةُ الجَمَاعَةِ لاَ تَحْصَلُ إِلاَّ بِإدْرَاكِ رَكْعَةٍ مَعَ الإِمَامِ، وَفَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ الأُولَى لاَ تَحْصُلُ إِلاَّ بِشُهودِ تَحْريِمَةِ الإِمَامِ وَاتْبَاعِهِ عَلَى الأَصَحِّ.

قال الرافعي: في الفصل مسألتان:

إحداهما: فيما يحصل للمأموم به فضيلة الجماعة، الذي ذكره في الكتاب أنها لا تحصل إلا بإدراك ركعة مع الإمام، ووجهه في "الوسيط" بأن إدراك ما دون الركعة ليس محسوباً من صلاته، فلا ينال بها الفضيلة، والذي ذكره أصحابنا العراقيون وغيرهم وتابعهم صاحبا "المهذب" و"التهذيب" أن من أدرك الإمام في التشهد الأخير حصل له فضيلة الجماعة، وقد يوجه ذلك بأن هذه البقية إذا لم تكن محسوبة من صلاته، فلو لم ينل بها الفضيلة لمنع من الاقتداء والحالة هذه؛ لكونها زيادة في الصلاة لا فائدة فيها، وبالجملة فظاهر المذهب الذي ذكره الجمهور خلاف ما في الكتاب.

المسألة الثانية: وردت أخبار في إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام نحو ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْماً فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأوْلَى كُتِبَ لَهُ بَرَاءَتَانِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015