عَلَيْهِمْ إِذْ أقَلُّ شَهَادَةِ الإِحْصَانِ اثْنَانِ وَأَقَلُّ شَهَادَةِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ، فلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ شُهُودِ الزِّنَا وَالإِحْصَانِ اجْتَمَعَ مِنَ الأُصُولِ أَقْوَالٌ لاَ تَخْفَى، وَالقَوْلاَنِ جَارِيَانِ فِي أَنَّ شُهُودَ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلاَقِ هَلْ يُغْرَمُ مَعَهُمْ شُهُودُ الصِّفَةِ أَوْ يَنفَرِدُ شُهُودُ التَّعْلِيقِ بِالغُرْمِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: هل يَتَعَلَّقُ الغُرْمُ برجوع شُهُودِ الإِحْصَانِ؟ فيه وجهان في رِوَايَةِ جماعة؛ منهم المُحَامِلِيُّ، وصاحب "التهذيب"، وقولان في رواية آخرين؛ منهم الإِمام، وصَاحِبُ الكتاب، والقَاضِي الرُّوياني -رحمهم الله-:
أحدهما: نعم؛ لأن الرَّجْمَ يَتَوَقَّفُ على ثبوت الزِّنَا, والإِحْصَانِ جميعاً، وعلى هذا، فلو قالوا: تَعَمَّدْنَا جَمِيعاً، لَزِمَهُمُ القصاص (?)، كشهود الزِّنَاَ.
والثانيِ: وبه قال أبو حَنِيْفَةَ: لا؛ لأنهم لم يَشْهَدُوا بما يُوجِبُ عليه عُقُوبَةً، وإنما وَصَفُوهُ بِصِفَةِ كَمَالٍ، والخِلاَفُ جَارٍ في أن شُهُودَ الصفة مع شهود تَعْلِيقِ الطَّلاَقِ، أو العِتَاقِ، هل يُغَرَّمُونَ إذا رَجعوا؟ أم يختص الغُرْمُ بشهود التعليق؟
والصحيح على ما ذكر صاحب "التهذيب": أن رجوع شهود الإِحْصَانِ، وشهود الصِّفَةِ لا يَقْتَضِي غُرْماً. وعن بعض الأصحاب: أنه يُفَرَّقُ في شهود الإحْصَانِ، بين أن تَتَقَدَّمَ شهادتهم على شهَادَةِ الزنا، فلا غُرْمَ إذا رجعوا، وبين أن يَتَأخَّرَ، فَيُغَرَّمُونَ؛ لترتب الرَّجْمِ على شهادتهم. وإذا قلنا: يَتَعَلَّق [بتعلق] (?) الغرْمِ برجوعهم، فكيف يُوَزَّعُ عليهم، وعلى شهود الزِّنَا؟ وجهان:
أصحهما: أنه يُعْتَبَرُ نِصَابُ الشهادتين؛ فيكون ثُلُثَا الغُرْمِ على شهود الزنا، وثلثه على شهود الإِحْصَانِ.
والثاني: أن نِصْفَه على شُهُودِ الزِّنَا، ونِصْفَهُ على شهود الإحْصَانِ؛ لأنهما صنفان (?) مُخْتَلِفَانِ، فَأشْبَهُ ما إذا رَجَعَ القاضي، والشُّهُودُ، يكون نصف الدِّيَةِ عليه، ونِصْفُهَا عليهم، ولا يَجِيءُ في شهود الصِّفَةِ، إذا علقنا الغُرْمَ برجوعهم، إلا النصف.
إذا عُرِفَ ذلك، فلو شَهِدَ أربعة بالزِّنَا، واثنان سِوَاهُم بالإحْصَانِ، وَرَجَعُوا جميعاً بعدما رُجِمَ، فَالضَّمَانُ على شُهُودِ الزنا، إن لم يُغَرَّمْ شهود الإحْصَانِ. وعلى الصنفين (?) جميعاً، إن غَرَّمْنَاهُم بالسَّوِيَّةِ إن نَصَّفْنَا، أو أَثْلاَثاً إن ثَلَّثْنَا.
وإن رجع وَاحِدٌ من شهود الزِّنَا، وواحد من شَاهِدي الإحْصَانِ، فإن لم يُغَرَّمْ شُهُودُ الإِحْصَانِ، فعلى الراجع من شُهُودِ الزنا، [رُبُعُ الغُرْمِ، وإن غَرَّمْنَاهُمْ، فإن نَصَّفنَا،