وذكر القاضي الرُّوَيانِيُّ نحو ذلك، وقال: سَمِعْتُهُ من بَعْضِ أصحابنا في النَّظَرِ. هذا حكم القصاص.
وأما الدِّيَةُ؛ فالذي أَوْرَدَهُ عَامَّةُ الأصحاب: أنها تجب مُثلَّثَةً، مُؤَجَّلَةً، لكن في مَالِهِمْ، إلا أن تصدقهم العَاقِلَة، فتكون عليهم. وحكى الفَوْرَانِيُّ عن نَصِّ الشَّافعي -رضي الله عنه-: أنها تَجِبُ حَالَّةً، وأن صاحب التقريب (?) حمل النَّصَّ على ما إذا كان قد مَضَى من قبل القَتْلِ ثَلاَثُ سنين.
وإن القَفَّالَ قال: تجب حَالَّةً بكل حَالٍ؛ لِتَعَدِّيهِمْ، وتَعَمُّدِهِمْ.
ولنعد إلى ما يَخْتَصُّ بلفظ الكتاب.
قوله: "والنظر في العقوبة والبضع، والمال"، يَرْجِعُ في المعنى إلى التَّقْسِيم الذي قَدَّمْنَاهُ، وهو أن المَشْهُودَ به، إما أن يَتَعَذَّرَ تَدَارُكُهُ، أو لا يَتَعَذَّرَ، والمُتَعَذِّرُ العُقُوَبَاتُ، والأَبْضَاعُ. وغَيْرُ المُتَعَذِّرِ الأَمْوَالُ. لكن قوله: "فالرجوع قبل انقضاء" إلى قوله: "ففي وجوب الإعادة وجهان"؛ لا اختصاص له بالعُقُوبَةِ، بل هو شَامِلٌ لكل مشهود (?) به.
وقوله: "وإن رَجع بعد القَضَاءِ"؛ يعني في العُقُوبَاتِ، وذلك بَيِّنٌ من تخصيصه (?) على المَالِ من بَعْدُ، حيث قال: "أَمَّا المَالُ فيستوفى قطعاً" فكان الأَحْسَنُ أَلاَّ يُدْرجَ المَسَائِلَ في قِسْمِ العُقُوبَاتِ؛ بل يذكرها قبل الشُّرُوعِ في الأَقْسَامِ، ثم يخُوضُ في الأقسام، ويُورِدُ في كُلِّ واحدٍ ما يَخْتَصُّ به.
وقوله: "ثلاثة أوجه"، يجوز إِعْلاَمُهُ بالواو؛ لأن من الأَصْحَابِ مَنْ قَطَعَ بأن حُدُودَ الله، لا يجوز استيفَاؤُهَا بعد الرُّجُوعِ.
وقوله: "ويُسْتَوْفَى قَطْعاً" كذلك لما سبق.
وقوله: "وجب عليه القصاص"، مُعَلَّمٌ بالحاء.
وقوله: "أنه كالممسك، أو كالشريك، فيه وجهان"؛ [الوجهان] (?)، يَشْمَلاَنِ القِصَاصَ، والدِّيَةَ؛ لأن المُمْسِكَ، ليس عليه قِصَاصٌ، ولا دِيَةَ. والشريك، يَتَعَلَّقُ بفعله القِصَاصُ، والدِّيَةُ. ثم ذكر الوجه الثالث الفارق بين القِصَاصِ، والدِّيَةِ.
وقوله: "ولو قال: تعمدت، ولكن ما علمت أنه يُقْتَلُ بقَوْلِي". هذا يَدْخُلُ فيه ما إذا قال: لم أعلم أنه يقتل بما شَهِدْتُ عليه؛ بل ظَنَنْتُ أنه يحبس، أو يؤخذ منه المال وهي الصُّورَةُ التي ذَكَرْنَاهَا، وفَرَّقْنَا بَيْنَ أن يكون قَرِيبَ العَهْدِ بالإِسلام، أو بَعيدَهُ.