قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ بَعْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ نُقِضَتْ إلاَّ إِذَا وَفَّوْا بِالدَّيْنِ، وَقيلَ: إنَّهُ يَتَبَيَّنُ البُطْلاَنَ بِكلِّ حَالٍ، وَلَوِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ المَالِ شَائِعاً انْتَقَضَ فِي المُسْتَحَقِّ دُونَ البَاقِي، وَقِيْلَ يَنْتَقَضُ لِتفُرُقِ الصِّفَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قسمت التركة بين الورثة، ثم ظهر دَيْنٌ، فإن جعلنا القسمة إفراز حق فهي صحيحة، ثم يباع الأنصباء في الدين، كان جعلناها بَيْعاً، فقد ذكرنا في "كتاب الرَّهْن" وجهين في بيع الوارث التركة قَبْلَ قضاء الدَّيْن، وبيَّنَّا أنه لو تصرف ولا دَيْنَ ظاهراً، ثم ظهر دين، فالأظهر صحَّة التصرف، ففي القسمة ذلك الوجهان، إن رجَّحنا البيع، فالقسمة الجارية صحيحةٌ، فإن وفوا الدَّيْن، استمرت، وإلا نُقِضَت، وبيعت التركة في الدَّيْن، كان لم تصحَّح، فالقسمة باطلةٌ، ولو جرت قسمة، ثم استحق بعض المقوم، فإما أن يُسْتَحَقَّ جزءٌ شائعٌ أو شيءٌ معيَّنٌ، إن استحق جزءٌ شائعٌ كالثلث، فتَبْطُل القسمة في المستحَقِّ، وفي الباقي طريقان، قال ابن أبي هريرة: إنَّه علَى الخلاف في تفريق الصفْقَة، ففي قول: يبطل فيه أيضاً، وفي قول: يصحٍ، ويثبت الخيار، وهذا ما أورده في الكتاب، وبه أخذ أكثرهم، وقال أبو إسحاق: تبطل القسمة قولاً واحداً، إذ المقصود من القسمة تمييز الحقوق، وإذا ظهر الاستحقاق كانَ المستحقُّ شريكَ كل واحدٍ منهم فَلاَ يحصُلُ التمييز، وأيضاً، فقَدْ بَانَ أَنَّ المستحِقَّ شريكٌ وانفراد بعض الشركاء بالقسمةِ ممتنعٌ، وبهذا أجاب القاضي الرُّوَيانِيُّ في "الحلية" كان استُحِقَّ شيءٌ معين، نُظِرَ، إِن اخْتَصَّ المُسْتَحِقُّ بنصيب أحدهما أو كان المُسْتَحَقُّ من نصيب أحدهما أكثر، بَطَلَتِ القسمة؛ لأنَّ ما يبقى لكل واحدٍ لا يكونُ قدْرَ حقِّه بل يحتاجُ أحدهما إلى الرجوع على الآخر وتعُودُ الإشاعةُ، كان كان المُسْتحَقَّانِ متماثلَيْنِ، بَقِيَتِ القسمةُ في الباقي وفيه وجه آخر: أنَّهَا تبطُلُ لِمَعْنى التفريق، ولو ظهرتْ وصيَّة بعْد قسمة التركة، فَإنْ كانت مُرْسَلَةَ، فكما لو ظهر دَيْن في التركة، وإن كان بجزءٍ شائع أوْ معين، فعلَى ما ذكرنا، في الاستحقاق، واعلم أَنَّ ظهورَ الدَّيْنِ والاستحقاق لا يختص بقسمة المتشابهات وكذلك دَعْوَى الغلط على ما تبيَّن في الفصل السابق، ولو أورد هذه الصورةَ بعْدَ عَدَّ أنواع القسمة كُلِّهَا، لكان أحسن والله أعلم.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: أَمَّا قِسْمَةَ التَّعْدِيلِ: فَفِي الإجْبَارِ عَلَيْهَا وَجْهَانٍ وَهُوَ أَنْ يُخَلِّفَ عَلَى ثَلاَثةَ بَنِينَ ثَلاَثةَ أعْبُدٍ مُتَسَاوِي القِيمَةِ أَوْ عَبْداً وَطَاحُونَةً وَحَمَّاماً أَوْ أَقْمِشَةً يُمْكِنُ تَعْدِيلُ سِهَامِهَا بِالقِيمَةِ، أَمَّا إِذَا خَلَّفَ قِطَعَ أَرْضٍ يَقْبَلُ قِسْمَةَ الإِفْرَازِ فَلاَ يُجْبَرُ فِيهَا عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ أَصْلاً، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ عَرَصَةٌ وَالثُّلُثُ بالمِسَاحَةِ نُصِّفُ بِالقِيمَةِ لِقُرْبَهِ مِنَ المَاءِ فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَلاَ يُنْظَرُ إِلَى ذَلِكَ، وَالدَّارُ المُخْتَلِفَة الأَبْنِيةِ مِنْ جَمْلَةِ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَاللَّبِنَاتُ المُخْتَلِفَةُ القَوَالِبِ كَذَلِكَ، فَإِنْ تَسَاوَتَ القَوَالِبُ فَيُجْبَرُ.