وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ يُنْقَضُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ إِفْرَازِ فَتَوجَّهُ اليَمِينُ وَيُنْقَضُ عِنْدَ قيَامِ البيِّنَةِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قسم قَسَّام القاضي بالإِجبار، ثم ادَّعى أحد الشريكين غلَطاً أو حَيْفاً، نُظِرَ؛ إن لم يبيِّن ما يزعم به الحَيْف أو الغَلَط، ثم يُلتفتْ إِلَى قوله، وان بيَّنَه، لم يُمكَّن من تحليف القَسَّام، كما لا يُحلَّف القاضي عَلَى أنه لم يَظْلِم، والشاهِدُ عَلَى أنه لم يكْذِب، ولكن إذا لو أقام بينته، سُمِعَتْ ونُقِضَتِ القسمة، كما لو قامتِ البينةُ عَلَى ظلم القاضي، وكذب الشهود، وقال الشيخ أبو حامد وغيرُه: وطريقه أن يحضر قاسمَيْن حاذقَيْن؛ لينظرا ويمسحا؛ ليعرفا الحال ويشهدا، وألحق أبو الفرج السرخسيُّ بقيام البينة ما إذا عرف أنه يستحقُّ ألف ذراع، ومسح ما أخذه، فهذا هو تسعمائة ولو لم تقُمْ حجة، وأراد تحليف الشريك، مُكِّن منه، فإن نكَلَ، حلَف المدعي، ونقضت القسمة، ولو حلف بعض الشركاء، ونكل بعضُهم، فحلف المدعي، لنكول بعضهم، قال في "الوسيط" تنقض القسمة في حقِّ الناكلين دون الحالفين، ولا يطالب الشريك بإقامة البينة عَلَى أن القسمة الجارية عادلةٌ؛ اكتفاءً بأن الظاهر الصواب، وفي كتاب القاضي ابنِ كج: أن أبا الحُسَيْن ذكر أن ابْنَ أبي هريرةَ حَكَى قولاً أنَّ علَى الشريك البيِّنةَ عَلَى أنها عادلةٌ، وأنَّ مدعي الغلط لا يحتاج إلى البينة، وأن أبا إسحاقَ فصَّل؛ فقال: إن قال مدَّعى الغلط: إن القَسَّام الذي قسَّم لا يحسن القسمة ولا يعرف المساحة والحساب، فالأصل ما يقوله وعلى صاحب البينة، وإن قال: إنَّهُ سها، فعليه البينة، ولو اعترف القَسَّام بالغلط أو الحيْف، فإن صدقه الشركاء، نُقِضَتِ القسمةُ، وإلا، لم يُنْقَضْ، وعليه ردُّ الأجرة، قال فى "التهذيب": وهو كما لو قال القاضي: غلطت في الحكم أو تعمَّدت الحيف، فإن صدقه المحكومُ له، استرد المال، وإلا، لم يستردَّ، على القاضي الغرم، وأما إذا جرتِ القسمةُ بالتراضي، فإن نَصَبَا قَسَّاماً أو اقتسما بأنفسهما، ثم ادعَى على أحدهما غلطاً، فإن لم نعتبر الرضا بعد خروج القرعة، فالحكم كما إذا ادَّعى الغلط في قسمة الإِجبار، وان اعتبرناه وتراضيا بغد خروج القرعة، ففي الكتاب أنه مبنيٌّ على أن القسمة بيع أو إفراز حق؟ إن قلنا: إنَّهَا إفراز حق فالإِفراز لا يتحقَّق مع التفاوت، فتنقض القسمة، إن قامت على البينة، ويحلف الخصم، إن لم تقُمْ، وان قلنا: بيعٌ، فوجهان:
أحدهما: أن الجواب كذلك؛ لأنهما تراضَيَا لاعتقادهما أنَّها قسمة عَدْلٍ.
وأظهَرُهُمَا: أنه لا فائدة لهَذِهِ الدعْوَى، ولا أثر للغلط وإن تحقَّق كما لا أثر للعين في البيع والشراء، وهذا ما أجاب به أكثرهم؛ كأنهم اقتصروا على الجواب الأرجح.
وقوله في الكتاب "وجرى لفظ ملك" ظاهره يشعر باعتبار لفظ البيع أو التمليك، ويقرب منه عبارته في "الوسيط": "لكنا إذا جعلْنا القسْمة بيعاً لا يُشْتَرط لفْظُ البَيْعِ والتمليكِ" وذلك يرجع إلى ما حكينا من اعتبار الرضا بعد خروج القرْعة، ويتبين ما لكل واحدٍ من الشريكين والله أعلم.